الثلاثاء، 10 مارس 2020

المسح يطهر الهيكل



من هو هذا الذي يقاوم الرؤساء في دائرة المخصصة لسلطتهم، وينقض عقود الايجار التي ابرموها مع الباعة والصيارفة؟ باي حق يطرد بعنف ابقار هؤلاء واغنامهم، ويشوش حساباتهم وترتيب دراهمهم؟ وكيف يخسّرهم الارباح التي اباحها الرؤساء لهم في هذا الموسم؟ وكيف يستطيع ان يقوم بعمل كهذا بينما الكهنة واللاويون، وهم عصابة قوية، يحومون بالمئات يمارسون خدمتهم بملابسهم الرسمية؟ فكيف يقدم المسيح على عمل كهذا؟ وكيف يفلح ان اقدم عليه؟
الجواب ان ضمائر  هؤﻻء اعانته على تنفيذ ما قام به، لان الخاطئ جبان تجاه الناس وتجاه ضميره، بينما البار جرئ. قال الحكيم "الشرير يهرب ولا طارد. اما الصديقون فكشبل ثبيت"(ام28: 1). فضمائر رؤساء الهيكل وتجارهم كان نصيرا لعمل المسيح، وقيدتهم عن مقاومته.
مهدت اسباب كهذه السبيل الاعظم الذي يرجح له نجاح المسيح في مقاومته الاولى لفساد الرؤساء. وهذا السبب هو هيبة القداسة فضلا عن اظهار تفرده عن باقي البشر بقوله "بيت ابي". اكتفى الرؤساء ان يقاوموه بالكلام فقالوا له انه لا يحق ان يعارضهم في سلطانهم على الهيكل ومتعلقاته.
ولولا غلاظة قلوب هؤلاء البارعين في درس كلام انبيائهم، لفطنوا لما كتبه اشعياء "اين البيت الذي تبنون لي.. الى هذا انظر الى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي"(اش66) وقد فسر استفانوس هذا بقوله العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الايادي"(اع7) فهاجوا عند هذا الجواب الذي لم يفهموه، اذ حسب الرؤساء قوله "انقضوا هذا الهيكل" تجاسريا كفريا.
كان كلام المسيح هذا غامضا على تلاميذه، فلم يفهموا قصده الا بعد ان نقض اليهود هيكل جسده، بصلبه، واقامه هو في اليوم الثالث – حينئذ ثبت ايمانهم بسيدهم وعلموا ان مقاومته لرؤساء الامة اتماما للقول النبوي "غيرة بيتك اكلتني"(مز69: 9).
وقد دام تاثير جواب الرؤساء طويلا ، حتى جعلوه بعد سنين حجة، شكواهم عليه ، لكي يميتوه ، ولما تم انتقامهم وراوه معلقا على الصليب عيّروه به، ولما طلبوا من الوالي حرسا يوضع على قبره ليمنع قيامته، بنوا طلبهم على هذا الكلام الذي اوقد في صدورهم نار البغضة المميتة التي التهمته اخيرا بتعليقه على الصليب. وبذلك صحّ ان غيرته على بيت ابيه اكلته. وكان المسيح يعلم ان تاثير هذا التطهير سيزول قريبا، وترجع الامور الى مجراها القديم، ونراه مضطرا الى تكرار هذا التطهير في مثل هذا العيد بعد 3 سنين. لكن لم يوقفه ذلك العلم عن العمل المطلوب، لان اختفاء تاثير العمل الحسن لا يعطل حسنه ولا يضيع اجره.
الغضب قد يكون فضيلة كما قد يكون اللطف رذيلة، اذ يشترط في الغضب الفاضل ان يخلو من كل غاية انانية، ومن كل حركة مستقبحة. ويشترط في اللطف الفاضل ان يخلو من الجبن والمحاباة. لقد راينا المسيح يحتدم غضبا على تدنيس الاقداس، فاسم الله وبيته ويومه وكلامه ورجاله هي اقداس، وتحترم اكراما للقدوس الذي تمثله. وقد اوضح الرسول ذلك بقوله "اغضبوا ولا تخطئوا"
واحتد غيظ المسيح ايضا على المال اذ قال "لا تجعلوا بيت ابي بيت تجارة". ان فعلكم هذا يبين انكم تخدمون المال لا الله. وشر ثمرة حب المال هو تسخير الدين لاجل الارباح التجارية.