عن كتاب (بذل الذات)- اﻻب جوزيف شريفرز
من نتائج بذل الذات البنوة لله:
هل تسمعين يا نفسي صوت الله ابيك؟ انه يدعوك الى الفة اعظم. فانت خادمته وصديقته، وهو يريد ان يجعل منك ابنته.
ان السيد يولي خادم اﻻمين ثقته، ويخص صديقه بموته، واما ابنه فيشركه في حنانه اﻻبوي. وهذا اﻻتصال الجديد البالغ العمق من قبل الله هو ثمرة بذل الذات ، وقد اصبح عادة وطبيعة يرد الله عليها بالفة من نوع جديد. فيعامل النفس كابنة محبوبة.
ان الصديق ﻻ يزور صديفه اﻻ فترات متقطعة، والنفس – صديقة الله – ﻻ تستطيع ان تخاطبه باستمرار، اذ ان المشاغل والمهام والمتاعب تمنعها عن ذلك. ولكنها تسهر بعناية وتكثر من تمارينها الروحية وتاملاتها وفحصها لضميرها وقراءتها الروحية.
اما اﻻبن ، فهو ﻻ يترك بيت ابيه .. والنفس ابنة الله تقوم بما يفرضه عليها الواجب، وفيما تبقى تلتصق بالله بحرية تامة، وتقرا في عيني ابيها حتى اقل الرغبات وتتمها في الحال. وعندما تتمم الواجب ، غالبا ما يدعوها الله الى ان تزداد قربا منه.
والنفس الطيعة تستسلم لكل مظاهر حنان الهها. فلا تنشغل باحاديث باطلة او بسيل من اﻻقوال العالمية بل تريح نظرها بهدوء وحب في عيني ابيها، ففي هذه النظرة ما يتعجز عنه الكلمات.
على الصديق ان يسهر على مصالحه الشخصية وعلى مصالح اسرته. وان يحسب وينظم نفقاته ويرتب ميزانيته. والنفس صديقة الله ﻻ تتخلى عن اﻻهتمام بتقدمها في الحياة الروحية بل توجه كل اهتمامها للتقدم الروحي.. فحياتها تمرين وصراع وعمل ﻻ يتوقف.
اما ابن الله ، فهو ﻻ يحتقر هذا الجهد الشاق وﻻ يستخف به لكنه يعتبر ان هذا العمل ليس من اختصاصه. فهو ابن البيت، واﻻب واﻻم يعتنيان بشؤونه التي هي شانهما. انه ينفذ بطيب خاطر ما يامره به ابوه. وان اخطا تداركت امه الحبيبة اﻻمر. ليس له ان يحطاط للمستقبل او يهتم به، بل ان يرضي اباه، وان يحبه في كل لحظة، وان يظهر ذلك بالطاعة.
ان حياة ابناء الله الحقيقيين تخفى عن عيون الناس. فالله يخفي هذا الكنز عن اﻻنظار الغريبة. ثم ان العالم ﻻ يفهم حياة تقضى كلها في خدمة الله ومحبته. انه يهزا ببساطة بالصديق الذي يحتقر خيرات هذه الدنيا. وكذلك النفوس المسيحية العادية ﻻ تدرك اكثر من سموها سمو حياة مكرسة ليسوع، فيبدو لها ان النفس الهائمة بالله عاطلة عن العمل وغير نافعة للاخرين. انها تبحث عن النشاط والحركة. اما الحياة التي كرست ليسوع في الخفاء والعزلة فتظهر لها انها بلا قيمة او نفع للكنيسة... انها تظن ان القديسين يتميزون بخدمات ممتازة ادوها للكنيسة، وبفضائل باهرة ، ثم تلاحظ ان كل شئ فيها على عكس ذلك ، بسيط ويكاد يكون عاديا، فتتساءل اين الفضيلة، اين القداسة؟ انها ﻻ ترى اﻻ اعماﻻ عادية ووجودا عاديا وشواغل مبتذلة، فليس هناك من تقشف او صلوات طويلة ، ﻻن نفوس ابناء الله تكتفي بان تسير سيرة العامة من سواد الناس.
يا الهي، ما اكث ما يخطئ الناس في تقدير ابناءك! ان هذه الحياة البسيطة والخالية من اﻻبهة، المستسلمة كلها لمحبتك هي الحياة المستترة مع المسيح في الله، هي صورة طبق اﻻصل لحياة يسوع البسيطة والمجهولة.
صحيح ان هذه الحياة المنسية والمزدراة كانت عثرة لليهود وجهالة للامم. وصحيح انها كانت في عصرنا هذا هدفا للسخرية والتحقير من قبل حكماء العالم، لكن هل هذا يقلل من سموها.
ايتها النفس السعيدة، ابنة الله المستترة ، ﻻ تهتمي باعمال ابناء هذا الدهر وسخريتهم وهزئهم! انك تعرضينن عن ذمهم وافتراءتهم ! انهم لم يدخلوا يوما القصر الذي تسكنينه ، اذ ان اعينهم ﻻ تحتمل البهاء الذي يسطع فيه. واذانهم ﻻ تستطيع ان تحتمل سماع اللغة اﻻلهية التي تسمعينها هناك . انك تنتمين الى عالم اخر غير عالمهم وتعيشين مستترة فالله، فانت ابنته المختارة.
يا ابنة الملك، ارتفعي الى شرف اصلك اﻻلهي، وﻻ تقلقي البتة لما يتعلق بثروتك الروحية. بل تابعي حياتك البسيطة في حضن الله، وتممي مشيئته واحبيه بغير حساب، وﻻ تخافي البتة فانت غنية بحكم حقك في الميراث السماوي.