الأربعاء، 4 مارس 2020

تجربة المسيح


يوضح لنا الكتاب المقدس ان الشيطان شخصا حقيقيا ﻻ وهميا، ويصفه بانه "رئيس هذا العالم" و "رئيس سلطان الهواء" و "اله هذا الدهر". واهم البراهين على انه شخص حقيقي وصية يسوع لتلاميذه ان يذكروه في صلاتهم مهما اختصروها، ويقولوا "نجنا من الشرير".. ليس من "الشر" و لا من "الاشرار" بل "من الشرير".
ويتضح ايضا ان التجربة او تسلط ابليس مقيدة بسماح الهي، وابليس يعترف بذلك. والقصد الالهي فيها هو للخير، لان المنتصرون ينالون المكافاة. والذي يدفع كل ريب انها بقصد حبي خالص ان الروح القدس هو الذي اصعد يسوع الى البرية ليجرب من ابليس.
ولا يخفي الفرق بين نوعين من التجربة. الاولى، لاجل امتحان الايمان كما حدث مع ابينا ابراهيم ويطلب منا الرسول ان نفرح (يع1: 2).
والنوع الثاني لاجل اغواء الانسان ويقول عنه الرسول "لا يقل احد اني اجرب من قبل الله لان الله لا يجرب احدا بالشرور"(يع1: 13).
يكشف المسيح بنفسه عن خبر تجربته – اذ كان وحيدا في البرية وليس من يخبر عن خبرها الا هو نفسه – يكشف الستار عن سر عميق من اسرار اختباراته الروحية والمحنة الشديدة التي اجتازها منفردا تماما كسائر البشر. 
يريد البعض ان يعتبروا الشيطان ليس الا خيالا يستخدم للتعبير الشر الداخلي. ولكن خبر تجربة المسيح يعارض هذا الراي تماما. لان خلو قلب المسيح من اثر اي فساد يؤكد ان التجربة للخطية لا يمكن ان تاتيه من الداخل . فباب التجربة في قلبه لا يمكن فتحه الا من خارج.
خضع المسيح لقوانين الحياة الارضية كابن للانسان. منها ان وراء كل جبل عال واديا منخفضا، وبعد كل ابتهاج عظيم انزعاج يضارعه، وبعد كل نجاح يأتي انحسار. 
كان رفقاء المسيح في هذه البرية الوحوش الضارية. ونعرف ان ادم فقد سلطته عليها بعد سقوطه. فلما نقرا ان المسيح كان مع الوحوش نتصوره محاطا بها ، مثل دانيال، تحفظه هيبته المقدسة من انيابها. او ليس من شان ازالة الخطية اعادة تلك السلطة المفقودة. او ليس الرفق بالحيوانات من مقتضيات الدين والرحمة؟
في اغواء حواء اتخذ ابليس شكل حية واستخدم حواء في اغواء ادم ومن ذلك الحين يستغنى ابليس عن الحيوانات ويستخدم البشر في ذلك. فللتجربة بواسطة المقربين مفعول مضاعف. فلما قصد ابليس ان يحوّل المسيح عن فدائه استخدم بطرس.


التجربة الاولى:
قد سكت الوحي عن وصف الهيئة التي ظهر بها ابليس. الاغلب انه ظهر شخصيا وبهيئة شخص عادي اقبل على المسيح في البرية. فان صح ذلك، يكون ابليس قد اظهر تعجبه من جوع المسيح الناتج عن قيادة الروح الالهي له في هذا القفر، ثم تركه بدون القوت الضروري. ثم من باب التودد ذكر للمسيح – ان قوته كابن الله تجعل سد هذه الحاجة امرا سهلا.
اظهر المسيح باستناده على اقوال الكتاب ما هو المرجع الحقيقي في امور الدين. ومع كونه اقدر الناس على افحام المجرب بالحجج الفلسفية، اثبت بجوابه ان قوة الاحتجاج الديني توجد في كلمة الله، لا فيما تستنبطه الفلسفة. لان سيف الروح وحده قادر ان يقهر ابليس.
رغم ذكاء ابليس الفائق نسى ان ابن الله لا يجوع ولا ياكل خبزا ولا يجرب اصلا. فاصلح المسيح وهم ابليس لما اوضح له انه يواجهه – لا كابن لله – بل كابن الانسان. لم يهتم المسيح – في حياته – بتذكير الناس انه ابن الله. فلا يذكر الانجي سوى 10 عبارات فقط. بينما يشير نحو 50 مرة الى كونه ابن الانسان. 
فلو اسندت الطبيعة الالهية الطبيعة البشرية في التجربة، لكان ذلك بمثابة اعتراف منه ان الطبيعة البشرية عاجزة عن التغلب عليها، ولما صحّ القول انه تجرب مثلنا، ولا ان يكون مثالا للناس. فهو لا يفعل في ساعة التجربة ما يعجز تلاميذه ان يفعلوه. وهذا سببكاف لعدم تحويله الحجارة خبزا. فضلا انه يريد ان يذوق بنفسه تجربة الجوع الشديد، لان هذا نصيب كثير من البشر.
هذه التجربة الاولى هي الحيلة التي نجح بها ابليس في اسقاط حواء ثم بني اسرائيل في التذمر. وقد قصد المجرب ان يغري المسيح ان يهتم بذاته، فان نجح بهذا يعطل عمله الخلاصي لان المسيح حينها يكون ممن يعيشون لذواتهم. "لان المسيح ايضا لم يرض نفسه"(رو15: 3). وصح فيه تعيير مبغضيه "خلص اخرين واما نفسه فما يقدر ان يخلصها". فصار هذا مبدا لتابعيه انكار الذات. 

التجربة الثانية:
ابليس ابدل خطته بالنقيض تماما. فقد سلّم انه ابن الله ولا ينفص عن ابيه فطلب ان يتمسك بهذا الارتباط ويبرهن عنه. وتظاهر انه سلمللمسيح بافضلية الامور الروحية على الجسدية. فطلب من المسيح عملا خطيرا خاليا من المنافع الجسدية، لكن فيه تعريض الجسد لخطر عظيم.. 
نظن ان ابليس ظهر حينها في هيئة ملاك من نور.. وهو هنا كانه يضمن للمسيح ان يصونه من الاذى حتى لو رمى نفسه ولا سيما وانه يقدم بذلك برهانا للعالم عن نزوله من السماء من عند الله.
ان ما كتب في مكان ما من الكتاب يفسر في باقي الكتاب. اذ يجب ان يفسر كلام الوحي بمثله.
لقد تجنب المسيح في كل حياته المخاطر، الى ان اتت الساعة التي فيها وجب ان يقدم نفسه ذبيحة اثم.
الوجه الاخر للتجربة هي ان يتخذ المسيح سياسة الادهاش العقلي البصري. ولو نجح ابليس في تحويل المسيح عن الاهتمام بالتاثير الروحي في القلوب يكون ابليس قد حفظ سلطته على البشر.
ومع ان المسيح مزمع ان يصنع معجزات كثيرة لكنه لم يصنعها لاجل الادهاش ولا لجذب الناس للايمان، بل تثبيتا للايمان في القلوب. 

التجربة الثالثة:
بنى رفض المسيح على نوعة ما كلفه ابليس به وليس على كذب وعد ابليس ومواعيده فارغة. رفض السجود لغير الله. ورفض ان يقدم السجود من باب النفاق لشخص لا يسجد له قلبيا. وان يتخذ لاجل غاية حسنة وسيلة سيئة. كانت خطته تطلب من المسيح ان يتبنى المجد العالي في امور الدين، كما يفعل رجال الدين جميعا، وحتى رسله ويوحنا المعمدان، الذين توقعوا ملكوتا زمنيا يقيمه المسيح متى جاء. 
لا يستبعد ايضا ان هيئة ابليس لم تكن هيئة شيطانية ظاهرة تولد النفور منه. لكن وقاحة اقتراحه في طلبه تكفي لتكشف عن حقيقة شخصه.
انتهره ومع ذلك لم يمسك عنه قوة البرهان بل سرد له المكتوب.
فارقه الى حين فقط. وظهر للحال مراقبة السماء "اذ جاءت ملائكة لتخدمه" كانها تنقل التهاني السمائية على فوزه. فكم يكون فرحهم وهم يخدمون ليس ورثة الخلاص بل رئيسه.

مركز الكتاب المقدس في حياتك


كم من الساعات تستغرقها قراءة الكتاب المقدس؟ الكتاب المقدس يحوي اكثر من 3 ملايين حرف، 31000 عدد (اية) و 1189 اصحاح. لقراءة العهد القديم نحتاج الى 38 ساعة. ولقراءة العهد الجديد نحتاج الى 11 ساعة. وفي المجموع نحتاج الى 49 ساعة لقراءة الكتاب المقدس كاملا. اي 6 ايام (اذا كان معدل القراءة 8 ساعات في اليوم تقريبا). اذا قرانا 4 اصحاحات فقط يوميا ، نستطيع ان نكمل قراءة الكتاب المقدس في عام واحد (365) يوما.
**
تبدو الحياة وكانها شريط سينمائي: صغير جدا.. طائش جدا.. واثق بنفسك جدا.. مسرور جدا.. مشغول جدا.. قلق جدا.. هرم جدا.. ساعتك وافتك سريعا جدا..
فهل تبذل وقتا في قراءة الكتاب المقدس؟ هل تبذل وقتا لخلاص نفسك؟ هل تبذل وقتا للصلاة؟ عزيزي، الحياة قصيرة. والايام تمر سريعا كشريط سينمائي. "فاذكر خالقك في ايام شبابك"(جا12: 1).

مقدمة انجيل لوقا وسفر اعمال الرسل

لوقا
الانجيل واعمال الرسل
اللغة والااسلوب:
اللغة التي يستخدمها تشابه الى حد كبير العبارات والاصطلاحات التي تستخدمها اليونانية الكلاسيكية. لوقا يخفف من اسلوب سابقه – الذي كان يقتبس منه – او يترجمه الى اليونانية (كما ترجم كلمة الجمجمة بدلا من الجلجثة)، والمعلم بدلا من ربوني، والغيور بدلا من القانوي.
الدوافع الاساسية:
يظهر الكاتب دور الروح القدس في خدمة المسيا. ويظهر هذا الدور ايضا مع الكنيسة.
في كلا الكتابين نجد:
الروح القدس ودوره في خدمة المسيا في الانجيل وخدمة الرسل في الاعمال.
العامل الجغرافي: المسيح يبدا خدمته في الجليل ثم يتقدم الى اورشليم في رحلته. ومن هناك ، في الاعمال،  تبدا الكنيسة الى اليهودة ثم السامرة فانطاكية واخيرا الى روما.. كل ذلك في مد لا رجعة فيه.
العامل التاريخي: نجد تكامل تاريخي في السفرين والتاريخ الذي فيهما يرتبط بالتاريخ العالمي.
الكاتب:
الكتابين لا يفصحان عن اسم الكاتب. توجد 3 فقرات (اع16: 10-40 و (20: 5- 16) و (21: 1-18) تدل على ان الشخص الذي كتبها رفيقا لبولس في السفر: فقد قابله اولا في فليبي ثم افترق عنه، وقابله مرة اخرى في مكدونية او فليبي ثم ذهب معه الى قيصرية. وبقى هناك الى ان ذهب الى اورشليم واحتجز هناك ، وبعد سجنه سنتين في قيصرية رافقه الى روما.
ويذكر احدهم ان لوقا هو ذلك الرجل المكدوني الذي ظهر لبولس في حلم.
مميزات الانجيل:
1- التفاصيل المتعددة:
قصة رحلة المسيح الى اورشليم يذكرها مرقس في اصحاح ومتى في اصحاحين بينما لوقا في 9 اصحاحات.
2- النظرة المتسعة للعالم:
في ترنيمة الملائكة "وبالناس المسرة".
في ترنيمة سمعان الشيخ "نور اعلان للامم".
لم يقف في النبوة الخاصة بيوحنا المعمدان بل اكمل "ويبصر كل بشر خلاص الله".
يضع السامريين على قدم المسواة مع اليهود. فوبخ التلميذين اللذان ارادا ان تنزل نارا من السماء لتحرق السامريين (9: 59)
يذكر امميين: ارملة صرفة صيدا ونعمان السرياني.
يضيف صفة المسكونية في مثل العشاء العظيم بان يضيف كلمة "ازقة" وطرقات وسياجات" على عبارة "شوارع المدينة".
اهتمامه بالفرد: زكريا - مريم ومرثا -
اهتمامه بالمنبوذين: المراة الخاطئة – الابن الضال..
اهتمامه بالطفل:
في 3 مواضع يذكر الاطفال الوحيدين لابائهم. ويستعمل كلمة طفل بدلا من الصبي
الصلاة: يسجل 9 صلوات للمسيح.
الفرح: في 3 امثال (لو15) نجد الفرح بالتائبين. ترنيمة العذراء و ..
هدف الكتابة:
كتب الرسول انجيله للامم في شخص ثاوفيلس. كما كان هناك دافع اخر هو الدفاع عن المسيحية مما كان يحيط بها من تيارات داخلية وخارجية لدمجها في عقائد اخرى وابعادها عن اصلها، فاراد ان يزيل الاعشاب من المجرى ويبين اصالة المسيحية.
ان حوادث حياة المسيح وخاصة موته وقيامته كانت هي الاساس الذي بنى عليه الايمان المسيحي. لقد سمع عنها وفهمها ولكن هناك ما تلاها من الحوادث مثل حلول الروح القدس وكرازة التلاميذ. وكيف تحول بولس من مجدف الى كارز عظيم. وهل تتناقض رسالته مع رسالة الرسل ام يكملان بعضهما؟
تحول الكنيسة من اليهود الى الامم. كيف حدث؟ كيف انتقل المركز المسيحي من اورشليم الى روما؟
لقد قبل الكثيرون الايمان ولكنهم في نفس الوقت استمروا في حياتهم الاولى ممارسين الطقوس اليهودية. ولكن هذا كله تغير تحت سمع وبصر ثاوفيلس فاضحت الغالبية العظمى من الامم. وبدا التفكير اللاهوتي يتسع ويبدو مركبا اكثر من لاهوت اورشليم.
التفسير اللاهوتي للتاريخ:
قسم اليهود الزمن الى قسمين: الدهر الحاضر، والدهر الاتي. اعطتهم هذه العقيدة ثباتا في المحن. اذ يثقون ان الله سيتدخل في التاريخ، اما بنفسه او عن طريق ابن داود. ولم تكن هذه العقيدة نبتة برية ولكنها بنيت على اساس ثقتهم في مواعيد الله للاباء.
ولقد شارك التلاميذ اليهود هذا المعتقد . وهذا يتضح من سؤاله للمسيح "هل في هذا الوقت ترد الملك لاسرائيل؟".
ولكن سرعان ما اكتشفت الكنيسة ان العقيدة اليهودية ابسط من ان تفسر عمل الله في المسيح. فالمسيح هو مركز التاريخ.. هو المفتاح الحقيقي لازمنة الله.
راى لوقا في التاريخ 3 عصور: عصر اسرائيل ثم عصر المسيح ثم عصر الكنيسة. والاخير ينقسم الى طورين: عصر الكنيسة الاولى: فيه يوضع اساس الكنيسة وحدثت فيه ايات لا يمكن ان تتكرر لانها ايات ظهور كنيسة الله في التاريخ، كما كانت ايات المسيح علامة على مجيئه.
الطور الثاني هو طور اتساع الكرازة. ظهرت سمات هذا الطور في خطاب بولس لقسوس افسس (اع20). في هذا العصر لابد من الحذر من دخول الذئاب.
الاسلوب الادبي:
عندما كتب الرسول انجيله الى ثاوفيلس لم يكن يقصد انه رسالة شخصية. بل كان يتبع الطرق الرسمية. ومن طريقة كتابته يتضح انه كان يقصد جمهور واسع لقراءته.

ميلاد يسوع

سلسلة نسب المسيح:
أ- بحسب متى:
المسيح هو الانسان الوحيد في التاريخ البشري الذي حفظ سجل نسبه لاب البشر ادم. وهو الوحيد الذي – بالاضافة الى جوهره الالهي – تتوقف قيمة الانسانية على سلسلة اجداده، لان منها نعرف انه ابن داود المخلص المنتظر.

ب- بحسب لوقا:
اورد لوقا في بشارته جدولا اخر لنسب المسيح يختلف بعض الاختلاف عما اورده متى. ولكننا نقول ان الجدولين متفقان في تان يوسف رجل مريم ام يسوع هو الحلقة الاخيرة فيهما. ويتفقان ايضا في حلقات النسب بين ابراهيم وداود. ويتفقان في اسمي شالتئيل وزربابل وقت السبي. لكنهما يختلفان اختلافا فرح له المنتقدون. من هذا الاختلاف ان متى يقدم الاسماء من يسوع راجعا الى ابراهيم واما لوقا فالى ادم. ويتبع متى سلسلة سليمان بن داود، واما لوقا فيتبع سلسلة ناثان بن داود. ويذكر متى ان يوسف ابن يعقوب، اما لوقا فيجعله ابن هالي والد مريم، وكان اليهود احيانا ينسبون الرجل الى والد زوجته (قارن ما حدث مع عائلة برزلاي عزرا2: 61ونح7: 63). والحلقات في متى بين داود ويوسف تنقص كثيرا عنها في لوقا. فالامر ظاهر ان بعض الحلقات متروكة، لان كلمة بن وكلمة ولد تردان احيانا في هاتين السلسلتين بالمعنى الواسع، مثل القول ان يسوع "ابن داود ابن ابراهيم". لان متى يذكر 4 حلقات فقط في ايام القضاة بين راحاب وداود، مع ان المدة 450 سنة.
على ان البشيرين متى ولوقا يوضحان اصل المسيح الالهي، فمتى بعد ان يقول في كل الحلقات السابقة فلان ولد فلان" لا يقول – كما كنا نتوقع – يوسف ولد يسوع، بل "يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح". ولوقا يقول "وهو على ما كان يظن : ابن يوسف". ولو كان بالجدولين ما يستحق المعارضة لفعل قادة اليهود ذلك من البدء.

جبرائيل يبشر زكريا:
اضطرب زكريا لرؤيته الملاك، لان ذلك امر طبيعي من اي انسان عندج رؤية ملاكا مهما كانت درجة تقواه وصلاحه.فليس صالح الا ويعرف ذاته خاطئا، والضمير الحي يجعل صاحبه خائفا في حضرة الاطهار اذ يبكته على اقل الهفوات.
وكان اخر ظهور ملائكي من 500 عام ، وبذات غرضه الحالي – وذلك لدانيال، اخر الانبياء العظام قبل المسيح (دا10). اذ بشره بميلاد صبي واعطاه الاسم الذي يطلقه عليه. واخبره انه سيكون عظيما اذ ينجح نجاحا باهرا في الرسالة المكلف بها "يرد كثيرين الى الرب الههم".
وزاد بما هو اعظم من هذا اذ قال له ان هذا الصبي سوف يكون المبشر بظهور المسيح الموعود به، فيتقدم امامه متمما النبوة التي كان يعرفها كل يهودي ان ايليا ياتي قدام المسيح ويهئ لرب شعبا مستعدا.
امامنا المرة الوحيدة التي فيها يبشر الملاك بميلاد ولد تكون وظيفته ان يبشر بقدوم اخر اعظم منه.

جبرائيل يبشر العذراء:
لا يسلم العقل ان المعجزة الفائقة التي هي تانس كلمة الله تحدث دون ان تحوطها معجزات اخرى ترافقها وتثبتها، فمعجزة البشارة لزكريا وقصاصه، وحبل اليصابات العجيب، هي مقدمة المعجزات التي احاطت بولادة المسيح.
وهذه كلها تسّهل تصديق تلك المعجزة الاعظم التي تتبعها قريبا – وهي ولادة المسيح من عذراء، فتتحقق فيه النبوات العديدة. وليس في التاريخ البشري شخص غيره تنطبق عليه تلك النبوات او تلائمه تلك الرموز. كذلك حق الحكم بان يسوع الناصري هو المخلص الموعود به.
كانت تحية الملاك لمريم ابلغ من تحيته لزكريا ، اذ قال لزكريا "لا تخف" بينما قال للعذراء "سلام لك ايتها الممتلئة نعمة" فقد انعم الله عليها بشرف لا تساويه القاب الملوك وعظمتهم. "فلما راته اضطربت" وتحيرت من التحية فطمانها حالا كما فعل مع زكريا وقال "لا تخافي" مناديا اياها باسمها وكرر تهنئته لها "لانك وجدت نعمة عند الله". ثم اخبرها بما هو اعجب من حبل اليصابات بانها ستلد وهي عذراء. هذا الابن لا يكون فقط عظيما بل انه "ابن الله".
طلبت مريم ايضاحا لطريقة اتمام الوعد فقط، فاعطاها الملاك علامة مفرحة، وهي خبر المعجزة التي حصلت لاليصابات.
كان اليهود يحدثون اطفالهم عن مجئ المسيح الذي يخلصهم من طغيان الاعداء. وكان انتظارهم هذا سبب ثورات دموية اثارها مسحاء كذبة بدافع التهوس الوهمي والطموح الشخصي او الطمع المادي. وكانت هذه الثورات تاتي عليهم بالوبال.

ولادة المسيح:
كانت مريم تسكن الناصرة، لكن نبوة ميخا تقول ان المسيح يكون من بيت لحم. فاي دافع يسوق يوسف ومريم من الناصرة الى بيت لحم محتملين مشقة سفر 4 او 5 ايام في اول فصل الشتاء، ومريم على وشك الولادة؟
ان الله يستخدم لاتمام مشيئته – ليس الملائك فقط – بل والملوك ايضا. صدر امر اوغسطس قيصر باجراء احصاء عام لرعاياه. وفي ذات الوقت يكون هذا الاحصاء توثيقا لميلاد المسيح في سجلات الدولة الرومانية.

الملاك يبشر الرعاة:
لما تاسست الارض ووضع حجر زاويتها ، ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله، لكن هذا الهتاف والترنيم لم يطرقا اذانا بشرية. انما لنا تاسس الفداء، ووضع حجر زاوية الخلاص للبشر الخطاة بتانس الابن الازلي، سمع فوق سهل بيت لحم هتاف ملائكة الله في اذان رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل.
وحالما اكمل الملاك هذه البشارة السعيدة، ظهر جمهور من الجند السماوي، ظهروا مسبحين الله.. ان تسبيح الله هو عملهم في السماء، ولما جاءوا على الارض كان هذا ايضا عملهم . حقا ان ملكوت الله هو بر وسلام وفرح (رو14: 17).

قتل اطفال بيت لحم:
من يقدر ان يتصور لسعات ضمير هيرودس في ساعات الموت، وخصوصا متى طالت هذه الساعات، وكانت علته لا ترحمه؟ ظن هيرودس لما قتل اطفال بيت لحم انه يعيش وان الصبي الذي خشى ان يهدد عرشه قد قتل. لكن بعد ايام قليلة كان هيرودس في قبره بينما كان الصبي يسوع محروسا.

في ملء الزمان :
جاء المسيح رئيس السلام في وقت عم فيه سلام الارض نادر الحدوث. وجاء في وقت توطد فيه الامن، وتوفرت المواصلات في الداخل والخارج تسهيلا لاسفار رسله الكرام. وذلك بواسطة امتداد لا مثيل له في التاريخ لسطوة سياسية موحدة منظمة شاملة. هي سطوة الامبراطورية الرومانية.
وكانت اللغة اليونانية، افضل اللغات القديمة، منتشرة مع فلسفتها البليغة تسهيلا لتوزيع انجيل المسيح. لا سيما ان اليهود كان لهم في الشتات ترجمتهم اليونانية للتوراة.
جاء المسيح في وقت تفاقم فيه الشر في العالم لتتضح شدة الحاجة الى مخلص.
جاء المسيح في وقت اكتملت فيه الوسائل الاخرى التي استخدمها الاله سبحانه لرد البشر عن شرورهم. ومع هذا كانت الشرور تزداد، فامتلات صدور الاتقياء القليلي العدد ياسا جعلهم يتوقعون ظهور المسيح المخلص بفارغ الصبر.

الثلاثاء، 3 مارس 2020

احتفالية اسرة القديس برنابا لتواصل اﻻجيال بمرور 40 عاما على تأسيس اسقفية الشباب



اقامت اسرة القديس برنابا لتواصل اﻻجيال احتفالية بمناسبة مرور 40 سنة على اسقفية الشباب بكنيسة السيدة العذراء بحدائق القبة، باركها بحضوره نيافة الحبر الجليل اﻻنبا موسى اسقف الشباب.

تضمنت اﻻحتفالية كلمات ترحيب وتهنئة للانبا موسى وسرد لتاريخ اﻻسقفية.
بدأت اﻻحتفالية بترنيمة لكورال (انغام السماء) مصحوبا باوركسترا الفنان الكبير سعد.
القى كلمة الترحيب بنيافته ابونا القمص مرقس عبد المسيح
ثم القي ا/ امين كرم كلمة عن التواصل والعمل المسكوني
والقى ا. هاني سليمان كلمة عن مجموعة القديس تيموثاوس لدراسة الكتاب المقدس
واجرى م/ سامي متري حوارا مع نيافته عن ذكرياته في الخدمة.


وكان مسك الختام كلمة روحية لنيافته عن:
لماذا فترت العلاقات بين الناس؟

من كلمة اﻻسقف المكرم: انبا موسى:
يتساءل البعض لماذا هذا العنوان الذي يحمل صفة سلبية "لماذا فترت.."؟ .. ﻻ ، عنوان الكلمة ليس سلبي، ﻻنه ﻻبد ان نكشف ضعفاتنا لنعالجها، ونتأمل اوجه تقصيرنا لنتعامل معها..
يقولون اسرة تواصل الاجيال تتكون من قدامى الخدام. وانا ارفض هذه التسمية.. يوجد الخدام الناضجون.. انهم خدام يريدون نقل خبراتهم لاجيال تالية من الخدام..







السبت، 22 فبراير 2020

القيامة


القيامة:
راى النسوة الحجر الذي دحرج على القبر، لكنهن كن يجهلن ما عمله الرؤساء من ختم القبر واقامة الحراس عليه. بما ان صعوبة رفع الحجر التي يعرفنها لم تثنهن عن الواجب الحبي، ازال الله من امامهن ليس تلك فقط، بل ايضا ما خفي عنهن، من قبل العناية الالهية، رحمة بهن، لئلا يمنعهن عن تادية خدمتهن الشريفة. او ليس هناك الكثير مما تخفيه عنا العناية الالهية _ان لم نقل كله – رافة بنا؟
ارسل الله ملاكل ليفعل ما لاتستطيعه النسوة. لما وقع نظر المجدلية على القبر، ورات الباب مدحرجا. ظنت ان شخصا اخذ الجسد، فاسرعت تخبر التلاميذ. جاء يوحنا وبطرس مسرعين.. لم يكتف بطرس بنظرة من بعيد، بل دخله ليفحص بالتدقيق لعله يجد سببا يفسر فقدان الجسد. بعد المشاهدة مضى بطرس متعجبا، اما يوحنا فقد امن. بعد ان راى الدلالة الواضحة على ان غياب الجسد لم يكن عملا بشريا بل الهيا اي قيامة يقينية.
كان القبر الفارغ برهانا على القيامة. لانه لو ان الاعداء اخذوا الجسد، لفنّدوا القول انه قام، لان جسد الميت بحوزتهم. والمحبون لايجدون سبيلا الى اخذه لان ضعفهم وياسهم وختم الحكومةوالحراس وسطوة خصومهم موانع كافية تحول دون ذلك.
بعد ان راى بطرس ويوحنا القبر الفارغ رجع الى المدينة، اما النساء فمكثن عند القبر ثم دخلنه. وفيما هن محتارات ظهر لهن ملاك. وطمانهم ودعاهن لينظرن الموضع. وبينما هن خائفات ومنكسات وجوهن الى الارض ظهر لهن ملاكان بثياب براقة ، وبخاهن لانهن يطلبن الحي بين الاموات ودعاهن ليبشرن بقيامته التلاميذ وخص بالذكر التلميذ الساقط، بطرس.
عندما قام المسيح لم ترافقه الاكفان، فاكفان المسيح احدى صفحات قصة حياته، نام فيها حينا، لكنه تركها. وكل الذين يفتشون عنه في التاريخ – وكانه احد المشاهير القدماء – لا يجدونه. ذلك، لانه حاضر بيننا حيا غير منظور.والتاريخ لا يعلنه كما هو، بل تراه عينا الايمان. لان الماضي منه لا يفي بالمطلوب. نرى ذلك في تلاميذ المسيح، لان اختبارهم في المسيح قبل موته لم يف بالمطلوب . لانه صوّره لهم في قبره، فاحتاجوا لاختبار جديد يريهم اياه في جسد مجده.
المسيح يظهر لمريم المجدلية
كانت مريم المجدلية قد عادت الى القبر المقدس، بعد ان اخبرت بطرس ويوحنا فاخذها البكاء الشديد عند باب القبر. وانحنت لتنظر لاول مرة داخله، فما كان اعظم عجبها لرؤية ملاكين جالسين. لم يذكر انها دهشت كغيرها او جزعت عند رؤية الملاكين، لان تاثير الحزن الشديد في قلبها لم يترك للخوف مجالا.
وسالها الملاكين عن سبب بكاءها، ذلك لانها بكت لفراغ القبر، بينما هذا اعظم داع للسرور. كذلك نفعل مثلها، كم نحزن لامور حسبناها مصائب بينما هي اعظم بركات.
الظاهر ان رفيقاتها من النسوة ابتعدن، وانها لم تعلم بظهور الملاكين لهن. طلبت الجسد لتكفينه، فنالت اعظم من سؤالها. نظرت المسيح حيا، فاسرعت لتقبل قدميه. لكن المسيحج اوقفها، ليشعرها بالتغيير الكامل بعد قيامته واظهر لها السبب" لاني لم اصعد بعد الى ابي". اراد ان يفهمها ويفهمنا ان الواجب هو التمسك به بالروح لا بالجسد. فعلينا ان نعي ذلك "لان الله روح". فلا نطلب حضورا ملموسا له بالعيان. وانه عما قليل سيصعد الى ابيه (في طبيعته الالهية) والهه (فيطبيعته الانسانية).
شرّف المسيح تلاميذه بلقب جديد دلّ على لطفه وتواضعه. دعاهم قبلا تلاميذه واصدقاءه واحباءه، اما الان فيدعوهم "اخوتي". فما اعظمه من حب!
المسيح يظهر للنسوة :
ظهر المسيح ظهوره الثاني لا لتلاميذه بل للنساء وهن ذاهبات راكضان ليتممن وصية الملائكة.
حوّلت العناية الاهية شك التلاميذ الى اعظم براهين للقيامة. فشك التلاميذ زال شيئا فشيئا بتوال البراهين القاطعة. شكوا وقتا قصيرا لكيلا نشك نحن الى الابد.
الحراس يبلغون عن القيامة:
نسب الكهنة القيامة الى سرقة الجسد بينما كانت هي بالروح القدس. فصار ذلك تجديفا على الروح القدس. لو كان الايمان متوقفا على البراهين لامنوا لا محالة. لانهم راوا معجزاته 3 سنوات حتى انتهت باعظم اية- القيامة. الايمان هبة من الله اولا. وهو يتوقف على حالة القلب ومدى استعداده لقبول الهبة الالهية.فلا يتوهم صاحب البراهين انه يربح النفوس بمجرد الجدال، مهما كانت معارفة عظيمةولسانه طلق في البيان.

الاثنين، 17 فبراير 2020

رسالة بطرس اﻻولى


رسالة بطرس الاولى: "الكهنوت الملوكي"
رسالة يعقوب تتكلم عن الناموس الملوكي وتنبّر عليه، اما الاهتمام الاول لرسالة بطرس الاول فهو الكهنوت الملوكي، وهو الموضوع الذي اتخذه الكاتب اساسا لرسالته. هذه الرسالة هي احدى رسالتين تنسبان الى الرسول بطرس، ومع انه كان تلميذا ورسولا له الاولوية بين التلاميذ الا ان رسالتيه صغيرتان.
لم تظهر هذه الرسالة في قائمة الموراتوري بالكنيسة الغربية ويلوّح انها نهاية هذه القائمة قد تهرات فلم تظهر رسالتي بطرس بها ولا العبرانيين والا يعقوب.
كاتب الرسالة:
رغم شهادة التقليد الكنسي القوية من اباء مثل اكلمنضس السكندري وترتليان .. وشهادة الرسالة في افتتاحيتها (1: 1)، فان علماء العصر الحديث ينكرون نسبتها الى بطرس. ونجمل اعتراضاتهم والرد علبها في 3 نقاط هي:
ا- لغة الرسالة واسلوبها:
يدل على ان الكاتب تاثر بالترجمة السبعينية واقتبس منها اقتباسا مباشرا. والى جانب ذلك تتميز بغزارة مفرداته وسهولة تعبيره وصحة لغته من حيث القواعد والتراكيب، حتى ان اسلوبه اعتبر اكثر سهولة من اسلوب بولس الرسول نفسه.
هذا الاسلوب لا يمكن ان يصدر عن شخص وصف انه عامي (اع4: 13). على ان الاعتراض يمكن الرد عليه. فالرسالة نفسها تشهد بان الرسول استعان بسلوانس (5: 12). ولعله هو نفسه سيلا رفيق بولس.
ب- صعوبة تاريخية:
ذكرت الرسالة ان من وجهت اليهم الرسالة يعانون الاضطهاد ووصفتها بانها "بلوى محرقة"اي انه اضطهاد رسمي للدولة. ومعروف ان اضطهاد نيرون اقتصر على روما ولم يشمل – حسبما ذكرت الرسالة – المتغربين في بنتس و.. اي ان الاضطهاد كان اوسع مدى. ولهذا فان الرسالة تقصد اضطهادا متاخرا اي دومتيان (81- 96) او تراجان (98 – 117م).
الرد: ان الرسالة لم تذكر انه اضطهاد رسمي. والبلوى المحرقة قد تكون احدى الحوادث الفردية التي منى بها المسيحيون في مكان ما نتيجة كراهية الناس لهم.
اما الصعوبة التاريخية الثانية فهي ان الرسول لم يبشر هذه الكنائس ولكن الرد هوة انه ليس مستبعدا ان يكتب اليهم الرسول معزيا بعد ان فقدوا رسولهم العظيم بولس.
الصعوبة العقيدية:
يوجد تشابه مع افكار بولس. والرد انه لا يستغرب هذا وقد استعان بطرس بمرقس وسلوانس رفيقي بولس الرسول.
تاريخ كتابة الرسالة:
الرسالة تعكس حادث ضخم جعل المسيحيون يهربون هنا وهناك، فيسميهم الرسول "المتغربين من شتات بنتس و.." ويعتقد ان هذا الحادث هو قتل يعقوب اخي الرب بيد اليهود ، وهو امر حدث قبل خراب الهيكل سنة 7- م.
وهنام شاهد اخر هو موقف الرسول من الدولة اذ يقول "اخضعوا لكل ترتيب بشري من اجل الرب..". هذا الموقف كان مقبولا حتى عام 64 م حين شن نيرون اضطهاده.
مكان الكتابة:
ان الغالبية العظمى من العلماء توافق ان الرسول كتبها من روا . اما اسم بابل المذكور فقد كان شائعا عنها بين المسيحيين. او لان بابل هي رمز السبي والتغرب.
مضمون الرسالة:
لقد ادخل الامم ضمن اسرائيل الجديد.
1 – شعب في الشتات:
بينما يكتب يعقوب الى المسيحيين من اصل يهودي في كل العالم، يكتب بطرس الى الامم في مناطق محدودة ذكرها بالاسم (1:1).
شعب الطاعة:
يبني كلامه على ما حدث في (خر24: 7) حين تعهد الشعب بالطاعة. فالمسيحيون اذن اولاد الطاعة (1: 14). هذه الطاعة تطهرهم "طهروا انفسكم في طاعةالحق.."(1: 22).
شعب الكهنوت والهيكل:
ص2 و3 قسمين، الاول نظري والثاني تطبيقي.في القسم اللاهوتي يستخدم عدة اصطلاحات هامة يبنى عليها لاهوته. منها الخمر – البيت الروحي – لكهنوت المقدس. اما الحجر فانه يشير الى المسيح. وهو مقتبس من (اش28: 16) حيث يصفه انه كريم وفي (مز118: 2) يصفه انه مرفوض وفي اش8: 14 يصفه انه حجر عثرة. على ان هذا الحجر المرفوض بنى المؤمنين وجعلهم بيتا روحيا كهنوتا مقدسا (2: 5). هيكل مقدس تقدم فيه العبادة.

صلب المسيح



في درب الصليب:
كان 4 عساكر يسوقون المصلوب الى حيث يصلب. فلما راوا عجز يسوع عن حمل صليبه سخروا رجلا قيروانيا ليؤدي هذه المهمة. لم يوجد من يتبرع بهذه المساعدة بسبب ما يحمله الصليب من عار ولعنة. لكن ما كان عارا تحول فخرا. واصبح سمعان في مقدمة جيش من الشرفان لا يحصى لهم عدد من حاملي صليب المسيح.
المسيح يطلب الغفران لصاليبه:
كان الجنود معتادين على صراخ الغضب والشتائم والالفاظ الكفرية التي يصبها المصلوبون على رؤسهم والمرجح ان اللصين ماثلا غيرهما في ذلك. اما المسيح فسمعوه يصلي لاجلهم صلاة محبة في كلمته الاولى "يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون". ملتمسا لهم العذر. لكن المسيح لم يطلب لهم المعذرة والتبرئة بحجة جهلهم ما يفعلون لكنه طلب لهم الغفران بحجة ان خطيتهم اخف مما كانت لو عرفوا تماما من هو الذي يصلبونه. نذكر قول الرسول "لو عرفوا لما صلبوا رب المجد"(1كو2: 8).
كان المسيح عادة يلفظ الغفران كمن له سلطان على ذلك. لكنه الان يتكلم كمن يسامحه في حقه عليهم ويهتم بان يصرف عنهم الغضب الالهي.
لم يكن العسكر الروماني يعلمون ماذا يفعلون، لانهم في ظلام العبادة الوثنية.. ولا عرف رؤساء اليهود ماذا يفعلون، لانهم اغمضوا عيونهم عمدا ، فاتاهم العمى الذي ياتي كل من يحبس البصر طويلا.
هذا المصلوب مكلل بتاج من شوك. وكل ذي بصيرة يرى تيجانا اخرى تزين جمال محياه . في التاج الشوكي نرى رمزها. نراه متوجا بالحكمة العظيمة والقدرة الالهية والقداسة السماوية. وكان هذه التيجان تختلط لتؤلف تاجه الاعظم، تاج حبه الفدائي. وقد برهن العسكر الروماني – عن غير قصد – ان هذا المصلوب هو مسيح اليهود الحقيقي لانهم حين اقتسموا ثيابه اتموا النبوة "يقتسمون ثيابي بينهم". ولما وصلوا الى القميص المنسوج بغير خياطة اقترعوا عليه فاتموا بقية النبوة "على لباسي يقترعون". وبنزع ثيابه عنهم اتموا النبوة "احصوا كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون فيّ".
ما اعظم السخرية التي سمعها المسيح على الصليب. سخروا اولا على ما حرّفوه من كلامه عن نقض الهيكل وثانيا على قوله انه ابن الله وثالثا انه مخلص البشر ورابعا انه المسيح مختار الله وخامسا انه يدّعي انه يتكل على الله ، وسادسا لانه لما ساله بيلاطس "اانت ملك اليهود؟" اجاب بالايجاب.
حسب افكارهم السطحية كان الصليب تكذيبا كافيا لهذه التهم الستة.. لكن هذا الاستهزاء كان تميما للنبوة "كل الذين يرونني يستهزئون بي.."
اما استهزاء اللصين فيلقى عذرا اكثر ن غيره، لان تعذيبهما هيّج الشر في قلبيهما، ولانهما يفكران ان يحمسا هذا القدير ليخلص ذاته ان امكن فيخلصهما معه .
المسيح يرفض المخدر
(مت27: 33 و34):
لما بلغ الموكب محل الصلب قدموا مزيجا مخدرا له. كان اليهود يستهجنون عادة العقاب بالصلب. لذا الّف نساؤهم فرقة لاجل تخفيف الام من يصلب من قومهم، واستشهدوا بنصيحة سليمان في ام31: 6 فكان يمزجون اعشابا مخدرة ويقدمون هذا الشراب للمحكوم عليهم قبل ان يبداوا تعذيبهم. لكن المسيح قصد ان يشرب كاس الالم حتى ثمالتها. ورفض اقل تخفيف في صفاء فكره، لان عليه ان يوجه من هذا المنبر الجديد الذي يعتليه ان يوجّه كلاما جوهريا لسامعيه، وصلاة لابيه، وهذا يقتضي حفظ القوى العقلية سالمة تماما من التدهور. فلما ذاق الشراب وعرف ما هو رفض ان يشرب.
صلبوه بين لصين (مت27: 35-38):
يقال ان اللصين كان زميلا باراباس وان صلب المسيح كان معدا لرئيسهما بارباس، فحل المسيح محله. ويقال ان اسم بارباس كان يشوع اي مخلص – وباراباس كان اسمه الثاني ومعناه (ابن الاب)، وان اسمه جعله يتوهم انه يقدر ان يخلص شعبه من النير الروماني.

اليوم تكون معي في الفردوس:
لقد راى اللص تصرفات المسيح: سكوته وصبره وصلاته لاجل صاليبه، واحتماله تعييرات معيّريه وتعييرات رفيقه المصلوب معه، فامن وبدا يدافع عن المسيح بجراة عظيمة.
ما اغرب هذا الصوت في اذان السامعين، ولا سيما اذان المستهزئين. لص يقول للص "او انت لا تخاف الله؟". ويعترف بانه يستحق الصلب لاجل اثامه. ويسمي المصلوب بجانبه ربا وان له ملكوتا عتيدا. فصارت دموع اسفه على ماضيه كالعدسات في التلسكوب ، تمكنه من رؤية ما كان بعيدا عن ابصار الاخرين. لقد راى بالايمان ملكوتا روحيا ملكه هذا المصلوب.
كم من الالاف استفادوا وتشجعوا وخلصوا بسبب قدوة هذا اللص ومثاله. وكم من خاطئ قدم توبة وخلص ، لانه سمع بقبول توبة هذا اللص. اصبح هذا اللص كارزا بمثال توبته العجيب.
في الكتاب المقدس حادث واحد يشجّع الذي لم يتب في حياته السابقة على ان يقدم التوبة عند مماته. لكنه حادث وحيد لئلا يطمع كل خاطئ بسببه ويؤجل توبته الى ساعة مماته.
وعد المسيح اللص بسعادة بعد موته حالا. سعادة، يكون هو رفيقه فيها وفي هذا تمت نبوة اشعياء "وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين واثامهم هو يحملها".
مثل اللصان الجنس البشري باسره. اللص الهالك الهالكين. والص الذي خلص المخلصين. فبينما الكهنة في تلك الساعة يقدمون في الهيكل الحزمة التي هي باكورة حصاد الشعير قدم رئيس كهنتنا للاب السماوي باكورة حصاد الذين دعاهم بموته الى الخلاص.
المسيح يهتم بامه:
كان منظر تلك الام التي قارت الخمسين من عمرها ووجهها يمتلئ بالدموع السخينة، حقا مؤثرا. وحقا لا يعلم الا الله حزنها المفرط. فاهتمام المسيح بمقاصده الروحية واحتماله لالامه لم يشغله عن امه واحتياجاتها الجسدية والنفسية.
فنظر اليها بالحنان البنوي ثم نظر الى يوحنا لعلمه بانه افضل من يقوم بواجب الابن – حتى مما يفعله اخوته فاختاره وخصّه بهذا الشرف. ومن عدم ذكرها مع النساء اللاتي انزلن جسد المخلص من على الصليب نستدل ان المسيح امر يوحنا ان ياخذها حالا من هذا الموقف القاسي.
الهي ، لماذا تركتني:
لما انتصف النهار دخل المسيح في دور جديد فاق كل ما سبقه اهمية، فقد تمم نبوة اشعياء (اش53). وهنا اظلمت الشمس فكان الطبيعة لبست الحداد.
عند دخول المسيح الى العالم ظهر كوكب ليعلن مجيئه. وعند خروجه انحجبت الشمس لتعلن قرب تسليمه روحه. وبدلا من النور الباهر الذي اضاء ليلا على سهول بيت لحم عند ولادته ، هبط على النهار ظلام عم الارض كلها عند موته. والسر الطبيعي المكتوم في كيفية اظلام الشمس يقابله السر الاعمق في كيفية حلول الغضب الالهي على المسيح الانسان الكامل وابن الله.
والامر الذي يزيل كل ريب في تفسير هذا الظلام، هو كلمة المسيح الرابعة "الهي الهي، لماذا تركتني؟". سمع صرخته هذه عدد كاف من الناس فقد قالها بصوت عظيم، فعلموا ان الاب تركه في تلك الساعة، ليعلم العالم ان ذلك كان لاجل التكفير عن خطايا البشر. خصوصا وان صلاته اختلفت تماما عن كل صلاة اخرى ذكرت له. لم يصل كعادته "ايها الاب" او "يا ابتاه". بل "الهي الهي" – اي انه يشعر بفقاصل وقتي بينه وبين الاب، يمنع عنه حق مخاطبة ابيه. وذلك افضل برهان لتغيير العلاقة في تلك الساعة بينه وبين الاب – فقد كان في موقف النائب عن الجنس البشري . وفي هذا حقق النبوة (مز22: 1).
انا عطشان:
هوذا معطي ماء الحياة يقول "انا عطشان". لان عطشه كان جسديا، والماء الذي يعطيه هو للروح.
رفض المسيح ان يشرب هذا الشراب المنعش، لانه قصد ان يسلم روحه بكل ما يمكن من النشاط. فعند كلمته الخامسة تمت نبوة اخرى تقول "في عطشي يسقونني خلا"(مز69: 21).
قد اكمل:
قد اكمل الناموس الموسوي وانتهى العهد القديم وبدا الجديد. من الان فصاعدا لن يعود يخالط البشر كما كان يفعل، بل يظهر ظهورات متقطعة في جسد مجده الجديد امام تلاميذه فقط. ثم بعد ذلك يتوارى عن انظار العالم الى يوم مجيئه.
في يديك استودع روحي:
كانت الكلمة الرابعة تعبر عن انفصال وقتي بينه وبين الاب.. فبصراخ اخر عظيم مثله، يعلن للجميع زوال ذلك الانفصال تماما، ورضا ابيه بموته على الصليب، لانه يقول مصليا "في يديك استودع روحي". فاتم بهذه الكلمة نبوة جاءت في (مز31: 5). واظهر رجوع علاقته مع الاب لانه يقول "يا ابتاه". وبهذه العبارة المؤثرة والتي رددها بعده عدد غفير من تلاميذه في ساعات الاحتضار، ختم المسيح حياته.
لقد علق المسيح على الصليب ساعة تقديم الذبيحة الصباحية واسلم الروح في ساعة تقديم الذبيحة المسائية. ولم يكن الصلب يميت المصلوبين عادة في نفس اليوم.
الزلزلة وانشقاق حجاب الهيكل:
ارتجفت الطبيعة لموت رب الحياة. وانشق حجاب الهيكل اشارة لانتهاء العهد قديم. كان وجود الحجاب معناه عدم رضى الله وان السبيل اليه مغلق. الا ان رئيس الكهنة استثنى لانه يمثل رئيس الكهنة الحقيقي، ابن الاب. وكان الحجاب ايضا يرمز لجسد المسيح لانه يحجب ويعلن طبيعته الالهية في ان واحد. فبتمزيق جسد بن الله انفتح باب السماء. وكان لشق الحجاب ايضا معنى كبير يشمل زوال النظام الموسوي. المسيح في القبر
اسلم المسيح الروح قبل ان يبدا العيد العظيم بساعتين. كانت ثمة نبوة "عظم لا يكسر منه" فكيف تتم هذه النبوة بعد امر الوالي "ان يكسروا السيقان ويرفعوا". حين جاء العسكر الى يسوع وجدوا انه مات. لكن لو ترك المسيح لنقضت براهين موته. وهذا امر مهم. لانه وجد اناس انكروا حقيقة القيامة مدعين ان المسيح لم يمت بل كان مغشيا عليه ثم استفاق في قبره. فاستدركت العناية شكوكا كهذه ، فان واحدا طعن المسيح بحربة في جنبه فخرج دم وماء "والذى راى هذا شهد..".
مات فعلا:
حوّل المسيح بلمسة منه الاجسام السقيمة الى سليمة. وكذلك حول بلمسه صليبه الذي كان شعار اللعنة الى رمز التمدن وموضع الاكرام. هذا جعل الرسول يصرخ "اما انا فحاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح". واليوم يزداد الافتخار جيلا بعد جيل بالصليب.
دفن يسوع:
مع ان يوسف الرامي لم يتبع المسيح زمن انتصاره، الا انه تبعه يوم انكساره. قال الكتاب "تجاسر ودخل الى بيلاطس". فاثبت شرفه الحقيقي وصدق ايمانه. اشترك معه ايضا نيقوديموس باحضاره (مئة منا اي 15 رطلا من الطيب). مات المسيح مصلوبا منبوذا لكنه دفن كملك. يقول الكتاب "وجعل مع الاشرار محله ومع غني عند موته". فبالنظر الى غنى يوسف كان قبره "مغارة كبيرة".
حراسة القبر:
لا باس من تحويل النظر قليلا عن التلاميذ المحبين الى شيوخ اليهود المبغضين. كان ما سمعوه وراوه يوم الصليب مربكا لافكارهم، ماذا لو يكون كلام المسيح انه يقوم صحيحا؟ لذا فقد اخذوا اذن الوالي ان يحرسوا القبر. ولابد انهم افهموا الحراس ان عملهم الاساسي هو ان يقتلوا يسوع متى راوه قام من الموت كما قال.