الخميس، 29 سبتمبر 2011

في جهاد المسيحي.



في كل تجربة من هذه الحياة حبان يتعاركان: حب العالم وحب الله . فالحب الذي يتغلب على الآخر يجذب إليه المحب كما يجذب حملاً. جاء المسيح لكي يحول الحب ويجعل ممن تعلّق بالأرض إنساناً مولعاً بالحياة السماوية. 
يطلب منك ، في حياتك هذه ، أن تجاهد ضد الجسد والشيطان والعالم. ولكن ثق بأن من جرك إلي هذه المعركة لا ينظر إليك ، متفرجاً ؛ بل يساعدك ، ولا يدعك تعتمد على قواك . جاهد لأنه وعد المجاهدين ، دون سواهم ، بإكليل النصر . غالباً ما تري في الكتاب المقدس أن الإكليل هو للظافرين كما جاء واضحاً في قول بولس الرسول:(لقد أتممت سعي وحفظت إيماني ولم يبقَ لي سوي إكليل البر). 
أعترف بخصمك حتى تكافأ متى انتصرت عليه.
شهوتك الجسدية خصم لك . إنها تجربك وتجرّك وراءها ، وتغريك فتحبل وتلد الإثم حتى إذا أكتمل الإثم أنجب الموت. 
جاهد ضد شهوتك: لقد محا العماد المقدس خطاياك ؛ لكن عليك أيها المولود ثانيةً بالعماد أن تجاهد ضد الشهوة التي تبقي فيك. 
فيك الحرب فلا تخف من العدو الخارجي . أنتصر على ذاتك ينهزم أمامك العالم . وما يعمل بك المجرب من الخارج سواء أكان شيطاناً أم خادماً للشيطان؟ أنت لا تشعر غالباً بعدوك إنما تشعر بشهوتك ؛ ولا تري الشيطان بل تري ما يشّك إليه. 
جاهد ، جاهد لأن الذي ولدك ثانية هو القاضي ومن أعدَّ المعركة يعدّ الإكليل.
إذا رفضت الحرب وعشت في سلام حقيقي ودائم شيء ، وإذا حاربت وأنهزمت شيء وإن استسلمت بلا حرب شيء آخر.
إذا لم تحاربي لأنك لا تكره الشر جرفك الشر بخبثه . أما إذا باشرت الجهاد واعتمدت على قواك تكبرت فتحطمت: وحاربت فانهزمت. 
أنك تحارب وتنتصر ، ومتى رأيت في أعضائك شريعة تضاد شريعة ضميرك فلا تعتمد على قواك بل قل مع الرسول(ما أشقاني ، من يخلّصني من جسد الموت هذا؟ نعمة الله بربنا يسوع المسيح"روميه23:7"). 
توكَّل على من أمرك بالجهاد في سبيل النصر . ستنتصر إذا عضدك من أمرك.
الشهوة شيء والعمل بها شيء أخر.
اللاشهوة ميزة خاصة بمن أوتي الكمال: أما الإمتناع عن دغدغة الشهوات فشأن من يحارب ويجاهد ويتألم. 
ولم تقنط من النصر متى احتدمت المعركة؟ أنا عالم بأنك تهوي التنزه عن كل ميل عاطل ومحرم . وأي قديس لم يطلب ذلك؟ بيد أنه لا يتحقق . ومهما عاش الإنسان على هذه الأرض فحلمه هذا لا يتحقق. 
((الجسد يشتهي ما هو مناف للروح ، والروح يشتهي ما هو مناف للجسد ، لئلا تعمل بعض ما تريد"غلا17:5")). 
سر بالروح ، وطال ما أنك لا تستطع أن تقضي على شهوة الجسد فامتنع أقله عن إشباعها . في الواقع ، أنك تقول أنك راغب في القضاء عليها مهما كلّف الأمر . ولكن ، طال ما أنك تجد فيك وفي أعضائك شريعة تضاد شريعة ضميرك فلا تعمل على إشباع رغباتك اللحمية . ماذا تريد أن تعمل بها؟ ان تلاشيها؟ ألا تسمح لك بأن تعمل ما تريد؟ فلا تسمح لها أنت بأن تعمل ما تريد ؟ فلا تسمح لها أنت بأن تعمل ما تريد. وماذا تريد؟ أن لا تكون؟ ها هي باقية. 
إن كان الجسد يشتهي ما هو مناف للروح فعلي الروح أن يشتهي ما هو مناف للجسد. 
وإن رفضت الانصياع إليك انصياعاً تاماً ، فلا تستسلم أنت إليها. لتكن المعركة متساوية بينكما لكي يتقرر النصر.
ألا تشعر بهذا النزاع؟ أو ليست فيك شهوة جسدية تضاد سنة الروح؟
إن لم يكن فيك شيء يضاد الآخر فأحذر من أن يكون أحدهما سيداً على الآخر: 
إن لم يكن روحك على خلاف مع جسدك في شهوته فخف من أن يكون هذا السلام سلاماً زائفاً يمنع الحرب . وما معني رجائك بالحرب ولمَّا تباشر المعركة؟ 
أمّا إذا فرحت في سنَّة الله ، بحسب الإنسان الباطني ، ثم رأيت في أعضائك سنّة أخري تضاد روحك وفرحت بها قيدتك وصرت ، حراً بالروح ، أسيراً بالجسد.
قاوم ولا تستسلم تنتصر.
ومع أنه من الأفضل للإنسان ألا يكون له عدو من أن يكون له واحد ، وينتصر عليه وألا يكون له شهوات ويضطر إلي مقاومتها ، فطال ما أنها موجودة عليك ألا تسير في ركابها.
إن أبت أن تسير ورائك فلا تسر أنت ورائها وإن أردت أن تسير وراءك بطلت أن تكون ولن تجدد حربها ضد روحك.
إن ثارت ثر ، وإن حاربت حارب ، وإن هاجمت هاجم ، ثم ضع نصب عينيك شيئاً واحداً وهو أن لا تدعها تخرج من المعركة ظافرة. 
جاهد باستمرار ، قد تخف شيئاً فشيئاً ولكنها لن تضمحل.

عواطف وصلوات.

ربّ ، روحك يحارب فيَّ ضد ما هو مناف لي فيَّ . أبيت أن أظل فيَّ ، بقربك فسقطت وتحطمت كما يتحطم شيء يسقط من يد إنسان على الأرض. 
وإذا تحطمتُ ناصبت نفسي العداء وقاومتًُها. 
أيها الفادى لقد أعطيتني روحاً أميت بها أعمال الجسد . إن دفعتُ عملت : وإن دفعت إلي الخير عملت خيراً.
هزني روحك فحاربت لأن لي عوناً قديراً. 
ضربتني خطيئتي وجرحتني وألقتني أرضاً . أما أنت يا خالقي فقد جرحت لأجلي ، وبموتك أنتصرت على الموت. 
الآن ، إذ يحارب الجسد الروح ، والروح الجسد ، فالجسد خصام مع الموت . أنا لا أعمل ما أريد لأني أتمني أن لا أشعر بأية شهوة ، ولكنني لا أستطيع . شئت أم أبيت فهذا شيء فيَّ . وشئت أم أبيت فإن الشهوة تغريني وتدغدغني وتثيرني وتهاجمني وتريد أن تنهض فيّ . أنها مكبوتة ولكنها ليست منطفئة فيَّ. 
تلك هي حالنا طوال حياتنا فوق هذه الأرض.

اللهمّ ، شرائعك سلاح لي . أجعلني أصغي بانتباه إلي كلمتك لكي أتخذها سلاحاً لي ؛ فقد أعطيتني بواسطة روحك القدوس ، قدرةً على ضبط أعضائي . إن ثارت فيَّ الشهوة وعضدَتَنْي على ضبط أعضائي فماذا يسعها أن تصنع ، ولو ثارت؟ 
اللهمّ ، أحفظ قدمي من الانزلاق وعينيَّ من التطلع إلي المناظر القبيحة وأذنيّ من سماع الألفاظ الشهوانية ، أحفظ جسدي بكليته مع كليتيّ وقلبي. 
وماذا صنعت الشهوة؟ عرفت أن تنشط ولم تعرف أن تنتصر . وإذ نشطت ولم تنجح فقد تعلمت أن لا تنشط . رجائي بكليته قائم على رحمتك الواسعة. 
هب ما تأمر به ومر بما تريد. 
تأمرني بأن أكون عفيفاً ، ولكي أدرك أنه لا يمكن لأحد أن يكون عفيفاً ، إلاّ إذا أعطيته أن يكون عفيفاً فقد فرضت علىّ بأن أطلب هذه النعمة من الحكمة ذاتها . وفي الواقع أن العفة هي التي تجمعنا وتقودنا إلي الخير الأوحد ، بعد أن تبعثرت قوانا في ألف شر وشر ؛ لأن من يحب شخصاً آخر معك ولا يحبه لأجلك يحبّ حباً ناقصاً. أيها الحب الدائم الاضطرام ، غير المنطفئ ، أيها المحبة ، اللهمّ أشعلني . أنك تأمر بالعفة فهب ما تأمر به ومر بما تريد.