الأحد، 18 سبتمبر 2011

في أن التواضع ضروري لبلوغ الإيمان



دواء مرضك تواضع المسيح ، ولا هلاك لك إلا إذا أصبت بداء الكبرياء ، اصل الخطيئة فيك الكبرياء ، والبر ضروري أصلاً لمقاومة الخطيئة في أصلها .إن كانت الكبرياء أصل كل خطيئة فأنيّ لورم الكبرياء أن يشفي لولا تنازل الله واتضاعه.
ولذلك فقد تنازل السيد المسيح واتضع مبيّناً لك الطريق الواجب سلوكه إذا شئت . إتضاع الرب في نظر المتكبرين غير لائق ؛ ولذا فالشفاء بعيد منهم.
لا ترتفع ، بل انحدر إذا شئت أن تشفي. وإذا شئت أن تبلغ إلي سموّ الله فأبحث عنه أولاً في تواضعه. أتضع إن شئت ، فالتواضع مفيد لك لأن الله قد أتضع من أجلك وليس من اجله.
خذ المسيح المتواضع وتعلّم منه التواضع ، إياك والتكبر. حين تأخذ تواضعه ترتفع معه ، وترتفع ليس كما يرتفع هو بل انه يرفعك معه رويداً رويداً.
في البدء كان عقلُك متأرجحاً بين الشك واليقين : أما بعد فسوف تفهم بثقة ووضوح . هو لا ينمو أما أنت فتدنو منه وكأنه مرتفعُّ معك.
آمن بوصايا الله وأعمل بموجبها ليعطيك القدرة على الفهم.
لا تعتدَّ بعلمك ولا تؤثره على وصية الله مخافة أن تخسر قدرتك وتضعف . أنظر إلي الشجرة كيف يبدأ النمو من أسفلها ثم ترتفع في الجو.
جذورها في الأرض ورواسيها إلي السماء . وهل تستطيع الشجرة أن ترتفع في الجو إذ لم تعتمد على جذورها في الأرض؟
إن شئت أن تبلغ السموات ، بمعزل عن التواضع والمحبة ، فلا أصل لك.
حينذاك تطلب الهلاك ، لا النمو وتبتغي الريح. المسيح يسكن في قلبك بالإيمان : تأصل في المحبة واثبت فيها لتمتلئ من الله . أسمع شهادة الرب القائل: أعترف لك يا أبت ، رب السماء والأرض إذا أخفيت هذه عن الحكماء والعقلاء وكشفتها للأطفال) متى25:11".
لا تفهم هذا الكلام بغير معناه : لقد أخفاها عن الحكماء والعقلاء ولم يكشفها للجهال والبلهاء بل أظهرها للأطفال.
لم يضع مقابل الحكماء والعقلاء الجهال والبلهاء ، بل الأطفال.
ألم يعن الرب بالحكماء والعقلاء أولئك المتكبرين حين قال(لقد كشفتها للأطفال)؟ لقد أخفيتها عمن ليسوا صغاراً . وماذا يعني بكلامه هذا؟ يريد : عمَّن ليسوا متواضعين ، ومن هم غير المتواضعين سوى المتكبرين؟
كن طفلاً ، لأنك لو شئت أن تكون كبيراً نظير الحكيم والعاقل فلا تنكشف لك طريق الرب.
اسمع الرسول{زعموا أنهم حكماء فصاروا حمقي"روميه22:1"}.
أتخذ لك علاجاً يضاد هذا القول: إن كنت تصير جاهلاً لمجرد ادعائك الحكمة فما لك سوى ان تعترف بجهلك لتصير حكيماً.
ولكن قل هذا القول وفكر به باطنياً لأن الحقيقة باطنية.
وإذا قلت ، فل تقل أمام الناس وحسب بل فليكن كلامك أمام الله . يقوم المعتقد المسيحي على التواضع ويوصي به ، فلا تفاخر أنت ألا بصليب ربنا يسوع المسيح. غلاطية14:6".
ليس من الحكمة أن تفاخر بحكمة المسيح إنما خير لك أن تفاخر بصليبه من اجله يحتقرك الكافر ويمتدحك التقي . إن المسيحي يفاخر بما يحتقره المتكبر.
قال بولس الرسول أنه لا يعرف شيئاً ألا يسوع المسيح وإياه مصلوباً"1كور2:2". إذا كانت معرفته محصورة بهذا الشكل فمعرفة الباقي مضمونة له.
أنه لشرف للإنسان أن يعرف المسيح مصلوباً ، لكن المسيح قد وضع كنزه أمام الصغار وكأنه خفي.
ما أكثر غني هذا الكنز الباطني؟ {احذروا منة أن يسلبكم أحد بالفلسفة والغرور الباطل حسب سنّة الناس على مقتضي أركان العالم لا على مقتضي المسيح المكنون فيه جميع كنوز الحكمة والعلم...)كولسي"3،8:2".
 احذر من أن تسلبك الحكمة بإسمها . ولذلك فأطلب الكنز المخفي وصلّ كي ينكشف لك . أيها الفيلسوف العالمي الحمق تطلب ما ليس شيئاً ، وتغُفل ما هو كنز لك!!
وماذا ينفعك العطش إلي المعرفة يا من تمر أمام الينبوع ولا تتوقف عليه؟ تحتقر التواضع لأنك لا تعترف بالعظمة ، لكن الحكمة تصغي إلي ما تأبي الكبرياء أن تصغي إليه.
لا تطلب ما يرتفع في قلبك بل أطلب ما يستحق قلبك أن يسمو إليه . إن تعلمت أن تفتخر بالمصلوب أخذت المجد من الملك . كثيرون رأوا الهدف وما اكتشفوا السبيل إليه . لقد أحبوا الوطن العلوي وجهلوا سبيل التواضع.
أبحث عن كنزك في ما تخجل منه الفلسفة المتكبرة لأنك لن تستطيع الوصول إلي كنزك إذا احتقرت الحجاب الذي يغطيه.
في التواضع العظمة وفي الضعف القوة وفي الموت الحياة ، إن أردت الوصول إلي الواحد فلا تحتقر الأخر.
لا تستكبر ، فالإيمان نعمة من الله تعُطي مجاناً وليست أجراً على عمل ، بل رحمة من قبل المعطي. إيمانك هبة من الله وليس حقاً لك.
أسمع قول الرب:(لا يقدر أحد أن يقبل إليّ ما لم يعط له ذلك من أبي"يوحنا66:6". ويُمارس هذا العنف على القلب وليس على الجسم.
آمنْ  فتأتي وأحبب فتُدعي.
عذبة هي تلك الشدة وطيبة ، وطيبتها تدعوك.
النعجة الجائعة تندفع إلي العشب حيث تراه ! أليس كذلك؟
هلمَّ إلي المسيح ولا تخف من طول الطريق : آمن وتعال.
يقُبل الإنسان إلي من هو في كل مكان ، سالكاً سبيل الحب دون البحر ، وبما أنه طريق محفوف بشتى التجارب والعواصف والأنواء . آمن بالمصلوب يمكن إيمانك على خشبة الصليب في مأمن منها . إذ ذاك تُحمل على الخشبة وتنجو من الغرق.
إن كنت مؤمناً فأفرح بما أعطيت . أشكر . بقلب متضع ، الربّ الذي أحسن إليك لئلا تخسر متكبراً ما نلته متواضعاً.