السبت، 23 يناير 2016

ابرص يروي قصته


"ألم يوجد من يرجع ليعطي المجد لله غير هذا الغريب الجنس"(لو11: 17-19)
كنا معزولين خارج المدينة بسبب اصابتنا بمرض معد خطير. كان ذلك المرض هو البرص. كنا عشرة مصابين بذلك الداء او تلك الضربة المؤلمة. يعلم الجميع بالطبع انها ضربة بسبب خطايانا وليست مرضا عاديا وحسبما جاء في الناموس هي تمثل اللعنة وعقاب الخطية. نشعر جميعا نحن العشرة بما ارتكبناه من ذنوب، ولذلك تحملنا المعاناة بصبر على امل انه في يوم ما يتحنن علينا السيد الرب ويرفع عنا هذه الضربة. كانت احوالنا المعيشية سيئة وتزداد سوءا يوما بعد يوم. بالاضافة الى معاناة الشعور بالوحدة وبالنبذ من الاخرين. كان يتحتم علينا ان نصرخ "ابرص ابرص" اذا ما تصادف احد بالمرور بالمنطقة التي كنا مقيمين بها حتى يبتعد عنا. ما اصعب الانفصال عن الهنا الحي وعن شعبه المقدس. 

وصلت إلينا يوما الأخبار أنّ يسوع نبيٌّ عظيم، وأنّه يتمتّع بقُدرةٍ فائقة على شفاء الأمراض كلّها، بلمسةٍ واحدة أو بكلمةٍ واحدة يتفوّه بها ولو عن بُعْد.

وبَلَغَنا أيضاً أنّ يسوع يتجوّل مع تلاميذه بين الجليل والسامرة، في المنطقة التي كنا نسكن فيها. انه يعلّم الناس وهو سائر إلى أورشليم. فتوجّهنا إليه ورأيناه من بعيد وهو يدخل قريةً صغيرة.

أخذنا نصرخ عن بعدٍ بأعلى أصواتنا: " رُحماكَ يا يسوع المعلّم ". فهم يسوع معنى هذه الصرخة. وادرك اننا نطلب منه مُعجِزةً تشفينا وتخلّصنا من آلام البَرَص وعار النجاسة، وتُمَكّنا من العودة إلى بيوتنا وأُسَرِنا.

سمع يسوع أصواتنا والتفت إلينا ورقَّ لحالنا وأمرنا بصوتٍ عالٍ أن نذهب إلى الكهنة ونعرض عليهم انفسنا ليفحصوننا مجددا، هذا ما كانت تأمر به شريعتنا اذا وجدونا اطهارا رجعنا الى المدينة واذا وجدوا ان الضربة ما زالت فينا رجعنا الى معاناتنا مرة اخرى. ولكن كيف نذهب الى الكهنة ونحن لا زلنا برصا؟ لماذا لم يقل لنا يسوع كلمة لنبرأ؟

على العموم لقد اطعنا كلامه فقد كانت تحدونا الرغبة الشديدة في العودة الى ذوينا. توجّهنا إلى مجمع تلك المنطقة ليُطلع الكهنة على حالنا. وما كدنا نسير بضعَ خطوات حتّى شعرنا بأنّ آلام البَرَص قد زالت عنا، وأنّ أجسادنا أصبحت نقيّة سليمة، لا أثر فيها للبُقَع السوداء ولا لتآكل المرض الخبيث.

هكذا كان مفعول صرخة الرجاء. لقد حرّكت عاطفة الرأفة في قلب يسوع فأشفق علينا وشفان نحن العشرة. قفز قلبي داخلي من الفرح. سجدت الى الارض شاكرا الرب وقلت لرفقائي "علينا العودة لنقدم الشكر لمن منّ علينا بالشفاء.". لكن رفقائي استثقلوا مشقة الرجوع واخذوا يلقون باعذار وتبريرات. 
قال توراس:
- انا متشوق لرؤية اسرتي.
وقال يهوذا:
- وماذا اذا رأى الكهنة اننا لم نشفى بعد.
وقال شمعي:
انا مرهق واكاد اسقط من الاعياء. الا ترون كم ضعفت وصار جسمي نحيلا من قلة الطعام ومن صعوبة الايام التي قضيناها في المرض. ورغم انني ارى جلدي سليما، الا انني اشعر وكأني على بعد خطوات من الموت بسبب ما اصابني من هزال. سأذهب فيما بعد واشكره. لكن ليس الان.. ليس الان.
وقال اليآب: 
وماذا اذا وجدنا يسوع قد غادر القرية؟ هل سنضطر الى تكبد عناء الارتحال ورائه والبحث عنه؟ ان الساعة الان التاسعة، وارى انه سيكون المساء قد حلّ حين نصل الى هناك، وبالتالي علينا ان ننتظر ليوم اخر.

وهكذا قدم الباقون اعذارا.. بينما كنت انا السامري الوحيد بينهم. وجدت نفسي غريبا بينهم. ولكني وجدت انه من غير اللائق الا ارجع. وعلى الرغم من ان كل اعذارهم كانت مقنعة لي الا ان قلبي كان يختلج بشعور عارم بالامتنان تجاه يسوع. على ان ارجع لاشكره مهما استبد من ألم وهزال. لذا تركت رفاقي ورجعت إلى يسوع وارتميت على قدمَيْه حين رأيته وشكرت نعمته بصوتٍ عالٍ.

تأثّر يسوع بما فعلته وبما اظهرته من عاطفة وامتنان، فقال:" أليسَ العَشَرةُ قد برئِوا فأينَ التسعة؟"(لو10)
لم يكن يسوع يريد بهذا القول أن يَفرُضَ على البُرْص التسعة الذين طهروا العودةَ إليه والتعبيرَ عن شكرهم لإحسانه، بل كان يريدهم ان ينالوا بركة اكثر بتقديم المجد لله. نظر اليّ يسوع برقة بالغة وقال عبارة اسعدتني تلك اللحظة ولا ازال اشعر بنفس السعادة الى الان. لقد قال لي: "ايمانك خلصك"