السبت، 5 يناير 2019

المسيح قام



لماذا تطلبن الحي مع الاموات؟
(يو20: 1-18 ومر16: 1-5)
في غداة يوم الاحد، انطلقت المجدلية نحو القبر. ترافقها مريم ام يعقوب وسالومة. ان لم يجئن يوم السبت فلأن مراعاة الراحة يوم السبت لم تسمح بقطع مسافة كويلة بعض الشئ. وكان يحملن معهن اطياب لتكفين جسد يسوع.
وكن يتساءلن في الطريق عن مسألة الحجر الذي يغلق مدخل القبر. هل يجدن في جوار القبر رجلا قويا وخدوما يساعدهن على دحرجة الحجر؟
لكن عند وصولهن .. يا للدهشة! .. كان الحجر قد ازيل عن القبر.. والقبر مفتوحا .. فالقين نظرة الى الداخل .. لا يوجد جسد في القبر.
فاضطربت المجدلية لظنها ان اناسا تجاسروا على انتهاك حرمة القبر وجسد يسوع، ولما كانت انشط النساء اللواتي كن يتبعن يسوع، حثت السير الى بطرس ويوحنا واقنعتهما بان يذهبا ويتحقق الامر بنفسيهما.
فخرجا الى القبر يسرعان السير، وكان يوحنا اصغر سنا من بطرس واخف حركة، فوصل قبله. وكان قلبه يخفق بقوة عظيمة لكنه لم يجرؤ على الدخول. فانتظر بطرس الذي وصل بدوره الى القبر يلهث ودخله.
ماذا اكتشف كلاهما؟ القبر شاغر، والجسد غائب. بقيت الاكفان والشرائك، ولكنها فارغة ايضا. بداهة، لم تحصل سرقة للجسد فلا اثر لاضطراب في القبر. والاكفان التي استعملت لدفن يسوع قد بقيت في وضعها ولم يغير ترتيبها، الا انها هابطة، لان لا جسد بداخلها. ولو كان اناس قد جاءوا ليخطفوا الجثة سرا لحملوها مثلما كانت ملفوفة في الاكفان..
ترك بطرس القبر.. ولكن يوحنا كان اكثر بصيرة، فكانه شعر مسبقا بما تم. معروف ان الحب يعطي احيانا حدة حدس كبيرة. امام حالة الاكفان فهم يوحنا ما حصل لانه تذكر ما اعلنه يسوع من انه يجب ان يقوم من بين الاموات. فراى وامن.
ورجعت مريم المجدلية الى القبر ، نظرت مرة اخرى الى الداخل ثم خرجت وشرعت تهيم وهي تبكي في وسط خمائل البستان. وكان رجل واقفا هناك. لكنها لم تحفل به: انها ترى الاشخاص والاشياء خلال دموعها مأن الجميع في ضباب. فحسبت الرجل الواقف حارس البستان ومسئولا عن حراسة المدفن.
فسألها الرجل:
"ما يبكبك وعم تبحثين؟"
قالت المجدلية في نفسها: بما ان هذا الرجل يسألني عم ابحث، فلابد ان يكون على علم بالامر، وارتابت فيه: لعل هذا الحارس قد اعتبر تدنيسا ان يدفن هنا شخص غريب في قبر سيده.. فعسى ان يكون هو الذي نقل جسد يسوع من هنا بواجب امانته نحو سيده او مبالغة في بذل نشاطه!
"اه، اتوسل اليم، اذا كنت قد اخذتهفقل لي اين وضعته لاخذه"
فاجابها بكلمة واحدة.. ولكن بلهجة الصداقة التي تنفذ الى القبر مباشرة:
"مريم!" لماذا تطلبن الحي بين الاموات؟"
وكان هو يسوع القائم من بين الاموات.
في الحال عرفته المجدلية: "يا معلم!".
وارادت ان تمسك رجليه لتقبلهما. لكنه قال لها:
"لا تمسكيني هكذا، لاني صاعد الى ابي الذي في السموات. ولكن اذهبي واعلني هذا الخبر الى جميع رفاقي".
بطريقة الكلام هذه، يريد يسوع ان يقول انه ينتسب الى عالم اخر. فهو انتقل من وضع ارضي الى وضع عالم الله. هو يسوع ذاته ولكنه مختلف كل الاختلاف. ان طاقة الالوهية تجليه. تخطئ المجدلية بظنها انه سيبقى على الارض كما كان فيما مضى. ويظهر يسوع لها خطأها، لان علاقات هذا العالم العادية لن يكون مسموحا بها مع يسوع بعد، اي ان نراه ونلمسه ونتحدث معه ونقبله. كل ذلك غير ممكن منذ الان وسوف ينتهي عن قريب.. ولكن لن يترك يسوع ذويه: سوف يكون دائما معهم، وسيكون حضوره الذي لا يزال حقيقيا، حضورا من عالم مختلف. وعن قريب سيفهم تلاميذه ذلك.
فاسرعت المجدلية قدر طاقتها لتنبه التلاميذ. ووجدتهم في انهيار وحداد فصرخت فيهم:
"رايت يسوع حيا .. قد قام!"
لكنهم هزوا راسهم غير مصدقين وظنوا ان بها هلوسة وشبه نون:
"ان حبك الفائق يضلك! .. هيا استرجعي وعيك وتاملي، ما تقولينه محال"
لا غبار على التلاميذ .. انه من الصعب جدا ان يؤمنوا بالقيامة.
لا يزال الحدث سريا: لم يتمكنوا من ان يروه ولا يسجلوه ولا يصوروه على شريط سينمائي وحدث دون شهود. انه حادث من عالم الله ويخفى علينا اذن. لكنه حادث حقيقي في تاريخ الانسانية. لم يكن لاي حادث اخر نفس وقع القيامة في حياة العالم.
يعطي انجيل متى وصفا شعريا في سرد احداث القيامة ليظهر ان له بعدا كونيا. الذي ينقض من السماء على القبر، هو ملاك الله ذاته، وذاك عمل الله وهو يقيم ابنه من بين الاموات. على الحجر المدحرج امام القبر المفتوح جلس الملاك منتصرا ليشير الى الظفر على الموت الذي عجز عن الاحتفاظ بضحيته ويمثل الحراس اعداء يسوع وغير المؤمنين: ازاء الحياة التى هي يسوع القائم، يعتبر الحراث امواتا. وها هو تعليم هذا المقطع ن الانجيل.
تتكلم مقاطع اخرى عن الملائكة في القبر. لا شك من وجود الملائكة، ولكنهم غالبا ما يعتبرون في اسفار الكتب المقدسة تعبيرا كتابيا تعطى بموجبه تعاليم دينية او تكلف رسالة من لدن الله.
ان القبر المقدس هو اشهر قبر في العالم. تحارب الشعوب مدة اجيال ليحصلوا عليه. اقتطعت المغارة من التل وبنيت فوقها كنيسة كبيرة حوالي سنة 320م على يد الامبراطور قسطنطين. وهدم الفرس الكنيسة ودكوا المغارة. فلم يبق اليوم الا ارض هذه المغارة المقدسة التي يمكن تكريمها في صرح صغير تحت قبة كنيسة رئيسية جديدة بنيت في القرن الثاني عشر. ويذهب هناك للحج مسيحيون من العالم اجمع.