كان من عادة الاباء الرهبان في فترة صوم الاربعين المقدسة ان ينطلقوا في البرية. كان الاب زوسيما يتجول في البرية وإذا به أمام امرأة عمرها حوالي الثمانين سنة، قد أحرقت الشمس بشرتها. تضرّع إليها أن تسردَ له قصتَها وكيف أتت إلى الصحراء، فأجابته بسبب إلحاحه:
"اسمي مريم وأنا من الإسكندرية، في صباي كنت جميلة جداً وطبعاً تافهة جداً. لم أكن أهتم بما لله ولا بالأخلاق. كنت أقول لنفسي: سوف أفعل ما أشاء ولن يستطيع أحدٌ إيقافي، ما دمت أمرح وأقضي وقتاً ممتعاً.. لم أبال بكوني قاسية أو سيئة الطباع أو أني أسخر من الناس. ذات مرّة رأيت جمعاً كبيراً من الناس يتجهون نحو الشاطئ. سألت عن السبب، فقالوا لي إنهم ذاهبون إلى أورشليم لرفع الصليب المحيي بعد أيام قليلة. أعجبتني الفكرة وأردت الذهابَ معهم لعلي أجد تسليات جديدة. وأبحرت إلى أورشليم. وصلت إلى هناك، وأخذت ألهو وأتسلّى. وجاء يوم عيد رفع الصليب، فرأيت حشوداً من الحجاج يتجهون إلى كنيسة القيامة فانضممت إليهم.
كان الحجاج يدخلون الكنسية، وكنت أسير معهم عندما أحسست فجأة أن شيئاً ما يدفعني بعيداً عن الباب. حاولت مجدداً الدخول، ومن جديد شعرت بأنّ هناك قوةً تمنعني من الدخول. حاولت مرةً ثالثة لكن دون جدوى، لم أستطع عبورَ باب الكنيسة. لماذا لا يمكنني أن أدخل؟ لا أستطيع أن أفهم. هل هي خطاياي الكثيرة التي تمنعني من الدخول إلى بيت الله. في اللحظة التي فكرت في ذلك، بدأت أتغيّر. لم أعد أحاول الدخول إلى الكنيسة، بل نظرت إلى أيقونة لوالدة الإلة مرسومةٍ فوق مدخل الكنيسة. نِظْرةُ والدة الإله في الأيقونة جعلتني أخجل من نفسي. كيف أحاول الدخول إلى حضرة الله وأنا قد صنعت أموراً كثيرة لا ترضي الله؟ لم أفكّر يوماً في ما هو جيّدٌ لأفعله بل ما أريده كنت أفعله. كم كانت حياتي مختلفة عن حياة والدة الإله". هنا توقفت الناسكة العجور وأخذت تبكي وهي تفتكر بسني شبابها التي أضاعتها في أمورٍ تافهة. ثم أكملت: "ثم خرجتُ من الكنيسة وسجدتُ لأيقونة والدة الإله وطلبتُ منها أن تمنَحَني فرصةً للتوبة عن خطاياي.
كان الحجاج يدخلون الكنسية، وكنت أسير معهم عندما أحسست فجأة أن شيئاً ما يدفعني بعيداً عن الباب. حاولت مجدداً الدخول، ومن جديد شعرت بأنّ هناك قوةً تمنعني من الدخول. حاولت مرةً ثالثة لكن دون جدوى، لم أستطع عبورَ باب الكنيسة. لماذا لا يمكنني أن أدخل؟ لا أستطيع أن أفهم. هل هي خطاياي الكثيرة التي تمنعني من الدخول إلى بيت الله. في اللحظة التي فكرت في ذلك، بدأت أتغيّر. لم أعد أحاول الدخول إلى الكنيسة، بل نظرت إلى أيقونة لوالدة الإلة مرسومةٍ فوق مدخل الكنيسة. نِظْرةُ والدة الإله في الأيقونة جعلتني أخجل من نفسي. كيف أحاول الدخول إلى حضرة الله وأنا قد صنعت أموراً كثيرة لا ترضي الله؟ لم أفكّر يوماً في ما هو جيّدٌ لأفعله بل ما أريده كنت أفعله. كم كانت حياتي مختلفة عن حياة والدة الإله". هنا توقفت الناسكة العجور وأخذت تبكي وهي تفتكر بسني شبابها التي أضاعتها في أمورٍ تافهة. ثم أكملت: "ثم خرجتُ من الكنيسة وسجدتُ لأيقونة والدة الإله وطلبتُ منها أن تمنَحَني فرصةً للتوبة عن خطاياي.
كان مجرّد التفكير في خطاياي يعذّبني. بكَيت بحسرة كبيرة. غير أنّي شعرت برجاءٍ في قلبي فتحركْتُ صوب باب الكنيسة مجدداً وإذا بي أدخل دون أيِّ عائقٍ، علمت، إذ ذاك، أنَّ الله يقبل توبة الخاطئين. في هذا المكان المقدّس سجدت للصليب المحيي وقبّلتُه برعدة. ثم خرجت من الكنيسة وسجدت لأيقونة والدة الإله وطلبت منها أن تمنحني فرصةً للتعويض عن خطاياي. فجاءني صوتٌ من السماء يقول لي :"اذهبي إلى الصحراء عبر نهر الأردن". هذا حصل منذ أكثر من خمسين سنة. في البدء كانت الحياة في الصحراء صعبة عليّ، كنت أتذكّر حياتي السالفة، أصدقائي، الأوقات الجميلة التي كنّا نقضيها سوية، وكنت أتذكّر الأطعمة الطيبة والشراب اللذيذ وكلَّ الأشياء الجميلة الأخرى التي اعتدتُ عليها، وفي الصحراء لا أستطيع أن أجد نقطة ماء لأشرب. كثيراً ما شعرت بالجوع، والشمس تُحرقُني بلا رحمة. مراراً مرضت وقاربت الموت. أحياناً، عند تذكّري حياتي السالفة بتوجعٍ، كنت أستلقي على الأرض وبدموع أتوسّل إلى الربّ الإله أن يعينني. في النهاية أعطاني الربّ الإله سلاماً في قلبي. بكيت كثيراً على خطاياي والربُّ الرحيم قَبِل توبتي وعزّاني.
استمع الراهب زوسيما إلى قصتها بكثير من التأثّر وهو يمجّد الله، ثم سألها: "وأين تعلمت الكتاب المقدّس؟". أجابت مريم: "لقد أعطاني الربّ الإله الحكمة. لم أتعلّم شيئاً بالكتب ولم أرَ إنساناً منذ عبرت نهر الأردن." صمتت مريم برهة متفكّرةً، ثم استدارت نحو الراهب وقالت له: "أريد أن أطلب منك شيئاً، أشعر أني كبرت ولم يعد لديّ الكثير من القوة. لم أتناول القدسات منذ عبرت نهر الأردن. لذلك أرجوك أن تجلب لي القدّسات في الصوم الكبير المقبل. لا تدخل إلى الصحراء كما تفعل عادة بل انتظرني على ضفة النهر يوم الخميس العظيم حاملاً القدسات. والآن إلى اللقاء وصلِّ من أجلي!".
وإذا به يراها ترسم إشارة الصليب على المياه المتدفقة، وتسير على المياه.
وإذا به يراها ترسم إشارة الصليب على المياه المتدفقة، وتسير على المياه.
بعد سنة، انتظر زوسيما في المكان المتفق عليه. كان يتساءل كيف ستعبر الناسكة العجور نهر الأردن الشديد الجريان. وإذا به يراها من الجهة المقابلة للنهر ترسم إشارة الصليب على المياه المتدفقة، وتسير على المياه. ما إن وصلت، إلى الجهة المقابلة، حتى ارتمى زوسيما على وجهه أمامها من شدّة تأثره بقداستها. فقالت له مريم: "يا كاهن المسيح، هل تحني القدسات التي تحملها أمام امرأة خاطئة؟"، ثم بفرح كبير تناولت القدسات من يده وبكت وهي تردّد صلاة القدّيس سمعان الشيخ: "الآن تطلق عبدك أيّها السيّد حسب قولك بسلام فإنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك."
- "أيها الأب زوسيما لديّ طلب آخر. في السنة المقبلة تعال إلى حيث وجدتني في المرة الأولى. تعال وسوف تراني مجدداً لأنّ هذه هي مشيئة الله."
ومجدداً عبرت الأردن سيراً على المياه إلى أن وصلت إلى الضفة المقابلة واختفت في الصحراء.
في السنة التالية، ذهب زوسيما ليرى الناسكة مريم في الصحراء. عندما وصل إلى المكان حيث كان قد التقاها سابقاً، رأى جسدها ممّدداً على الرمل. كانت قد رقدت. شعر زوسيما بالحزن وجثا أمامها يبكي. بعد قليل أخذ يفكّر أين عليه أن يدفن جسدها. وإذا به يرى كتابة قرب رأسها على الرمل. اقترب من الكتابة وقرأ:
"أيها الأب زوسيما! ليلة آلام ربّنا يسوع المسيح، يوم الخميس العظيم، انتقلْتُ إلى مخلّصي. ادفن جسدي هنا، وصلِّ لمريم المصرية." عرف الأب زوسيما أنّها رقدت في اليوم الذي تناولت فيه القدسات في السنة الماضية وأنّ جسدها ما زال على حاله ولم ينحلّ دليلاً على قداستها.
قام الأب زوسيما بخدمة دفن الراقدين لكنّه لم يشعر بالقوة الكافية لدفنها. في هذه الأثناء رأى أسداً متجهاً نحوه، هذا أخذ يحفر الأرض بمخالبه. وساعد الاب في دفن جسد القدّيسة في الأرض. لتكن صلواتها معنا أجمعين. آمين