يقدم الإصحاح الخامس من سفر دانيال حادثاً تاريخياً كما يقدم حديثاً نبوياً. أما الحادث التاريخي فهو المشهد الذي انتهت به الإمبراطورية البابلية وحلت محلها الإمبراطورية الفارسية المادية. وأما الحديث النبوي فهو أن هذه النهاية التي وصلت إليها بابل القديمة ستكون حتماً نهاية بابل الدينية، وبابل المدينة.
- في بابل القديمة نرى كيف ارتبطت الخطايا الجسدية بالعبادات الوثنية "كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر" (دانيال 5: 4). وفي بابل الدينية نجد ذات الارتباط بين ما يسمونه عبادة الله وبين الخطايا الجسدية الشريرة، فبابل الدينية نراها في سفر الرؤيا "متسربلة بأرجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب في يدها مملوءة رجاسات ونجاسات زناها" (رؤيا 17: 4).
- في بابل القديمة كان الناس يسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب، وفي بابل الدينية نرى أن الناس "لم يتوبوا عن أعمال أيديهم حتى لا يسجدوا للشياطين وأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب" (رؤيا 9: 20).
- بابل المدينة القديمة سقطت فجأة (دانيال 5: 30 و 31) وبابل المدينة الحديثة ستسقط فجأة "من أجل ذلك في يوم واحد ستأتي ضرباتها موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذي يدينها قوي.. المدينة العظيمة بابل المدينة القوية. لأنه في ساعة واحدة جاءت دينونتك" (رؤيا 18: 8 و 10). ويصف يوحنا الرائي سقوط بابل الفجائي قائلا:
"ورفع ملاك واحد قوي حجراً كرحى عظيمة ورماه في البحر قائلاً هكذا بدفع سترمى بابل المدينة العظيمة ولن توجد في ما بعد" (رؤيا 18: 21).لا نعلم لأية مناسبة صنع بيلشاصر الملك هذه الوليمة العظيمة. لعل المناسبة كانت عيد ميلاده.. أو لعلها كانت عيد جلوسه على العرش، أو ذكرى انتصاره في معركة شهيرة.. كيفما كانت المناسبة فقد صنع الملك هذه الوليمة لعظائمه الألف. وخلال هذه الوليمة العظيمة ارتكب بيلشاصر عدة خطايا.
"وإذ كان بيلشاصر يذوق الخمر أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذ نصر أبوه من الهيكل الذي في أورشليم ليشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. حينئذ أحضروا آنية الذهب التي أخرجت من هيكل الله الذي في أورشليم وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه" (دانيال 5: 2 و 3)
هذه الآنية كانت آنية مقدسة. بمعنى أنها كانت مخصصة بالكلية للاستخدام في بيت الله. ولكن بيلشاصر في كبرياء قلبه تحدى الإله الحي، واستهان بآنيته المقدسة فأمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذ نصر أبوه من الهيكل ليشرب بها الخمر في وليمته الماجنة. وكان استخدام آنية بيت الله في هذه الوليمة الدنسة تعظماً على رب السماء كما قال دانيال للملك بيلشاصر "بل تعظمت على رب السماء فأحضروا قدامك آنية بيته وأنت وعظماؤك وزوجاتك وسراريك شربتم بها الخمر وسبحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف. أما الله الذي بيده نسمتك وله كل طرقك فلم تمجده" (دانيال 5: 23)
وهنا يجدر بنا أن نذكر أن جسد المؤمن هو آنية مقدسة لخدمة الرب.
"أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله وأنكم لستم لأنفسكم. لأنكم قد اشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي الله" (1كورنثوس 6: 19 و 20)
وأن من يدنس هذا الجسد بالزنا أ, بالخمر يعرض نفسه للوقوع تحت يد التأديب الإلهي "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عبرانيين 10: 31)
"أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم. إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كورنثوس 2: 16 و 17)
ولقد دنس أحد المؤمنين في كنيسة كورنثوس جسده بالزنى مع امرأة أبيه، وحكم عليه بولس الرسول قائلاً "قد حكمت.. باسم ربنا يسوع المسيح.. أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1 كورنثوس 5: 3 - 5)
إن على المؤمن أن يحفظ نفسه طاهراً لكي يستخدمه الرب حسب إرادته كما يقول بولس لتيموتاوس "ولكن في بين كبير ليس آنية من ذهب وفضة فقط بل من خشب وخزف أيضاً وتلك للكرامة وهذه للهوان. فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد مستعداً لكل عمل صالح" (2 تميوثاوس 2: 20 و 21)
خطية تسبيح الآلهة الوثنية:
"كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر" (دانيال 5: 24)
هنا وصل الملك وعظماؤه إلى قمة الحماقة الإنسانية، إذ بدأوا يسبحون أي يحمدون ويباركون آلهة الذهب والفضة والنحاس.. وقد وصفها دانيال للملك بيلشاصر بأنها "لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف" (دانيال 5: 23)
والإنسان في حماقته يصنع من ممتلكاته أصناماً يتعبد لها كما يقول الرب في سفر هوشع "صنعوا لأنفسهم من فضتهم وذهبهم أصناماً" (هوشع 8: 3) الناس يتعبدون ويسجدون لآلهة المال "الذهب والفضة". ولآلهة القوة "النحاس والحديد". ولآلهة الممتلكات "الخشب والحجر".
وفي الضيقة العظيمة ورغم الضربات التي سيضرب بها الله الأرض خلال الضيقة فإن الناس لن "يتوبوا عن أعمال أيديهم حتى لا يسجدوا للشياطين وأصنام الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب التي لا تستطيع أن تبصر ولا تسمع ولا تمشي" (رؤيا 9: 20)
أليس من الحماقة أن يصنع الإنسان بيديه الإله الذي يعبده: فيعبد صناعة يديه بدلاً من أن يعبد صانعه؟
هذه هي خطية بيلشاصر الثانية التي جلبت عليه القضاء الإلهي. (اقرأ رومية 1: 8 - 25)
خطية الانغماس في الشهوات الجسدية:
"حينئذ أحضروا آنية الذهب التي أخرجت من هيكل بيت الله الذي في أورشليم وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه" (دانيال 5: 3)
"كانوا يشربون الخمر" (دانيال 5: 4)
الوليمة إذاً كانت وليمة خمر ونساء.
وحين تجتمع الخمر مع النساء فهناك الانغماس الكامل في شهوات الجسد.
"الخمر مستهزئة. المسكر عجاج ومن يترنح بهما فليس بحكيم" (أمثال 20: 1)
"لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم. لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق" (أمثال 23: 20)