السبت، 25 مايو 2019

اعترافات اغسطينوس #2



سراب اسمه الراحة:
اتفقت مع عديد من الاصدقاء على ان نعيش عيشا راضيا خاليا من مشاق الحياة. واتفاقنا كان على هذا، ان نجمع كل ما لنا الى صندوق واحد عام، لتكون اموالنا مشتركة كامالنا. وكان عدد لفيفنا عشرة. وبعضهم كانوا اصحاب ثروة طائلة، وقد اتفقنا ايضا على ان نستبدل كل سنة اثنين منا، يتوليان الاهتمام بلوازم معيشتنا.
ولكن هذه كانت قصورا بنيناها في الفضاء، لان بعضا منا اخذوا يحتجون بان عندهم زوجات ، وهذا الاشتراك لا يتفق مع وجود زوجات ومن ثم تبدد شمله للحال.

الحيارى الثلاثة:
اليب ونبريد هما اخص خلاني، اللذان اتحدث معهما بدالة وحرية. اليب كان من مواطني ، من اسرة وجيهة، وكان يحبني للغاية، سبقني الى روما لدرس الشرع والقانون المدني. وقد حضر معي الى ميلانو، ليكون قريبا مني، وكنت انا وهو في ميلانو متلاصقين قلبا لقلب، وبيتا لبيت. ولكن لم يكن حاله الا كحالي: في اضطرابنا وترددنا في اي طريق يكون مسيرنا، والى اين ينتهي المطاف؟
كذلك صديقي نبريدترك بلدته وجاء الى ميلانو يقصد ان يكون مشاركا لي في المعيشة، وفي البحث والتحري عن الحقيقة والحكمة.
تلهف الى الحياة السعيدة، والى التعمق في البحث عن المسائل العويصة.

نئن جوعا:
كنا كمن اضناهم الجوع نفتح افواهنا تلقيا للطعام ، واذ لم يكن امام اعيننا غير ظلمات مدلهمة، كنا نلتفت الى الوراء صارخين من مرارة قلوبنا: الى متى هذه الحالة التعيسة؟ ومع هذا كنا متباطئين.
وانا ، ها هي ثلاثون عاما قد مضت علي وانا باق اتمرغ في وحل شهواتي الدنيوية. احببت السعادة لا حيث هي، ورحت ابحث عنها، هاربا منها. كنت اظنني شقيا ان حرمت من تقبيل امراة. ولم يكن يخطر ببالي ان نعمتك تقدر على ازالة هذا الضعف عنا.

مثل الخنزير:
ويحي! لان اثمي تعاظمت اكثر من ذي قبل. نعم، ان تلك المراة التي كانت عندي، قد انفصلت عني، وعادت الى افريقيا، وعاد اليها رشدها. ولكن انا الشقي لم اشا ان اقتدي بتلك المراة، وسلمت نفسي الى غيرها.
ويل لي، من عبد ذليل للشهوة القفبيحة، وقبحا لتلك القاذورات التي كنت اتمرغ فيها كالخنزير.

او مثل حشرة انقلبت على بطنها:

في عمايّ وجراحي لا استطيع ان اتصور نور الجمال الذي يجب ان اعانقه، حبا به، هذا الذي لا تبصره عيناي اللحمية ولا يرى الا من عمق اعماق النفس.
اه، من السبل المعوجة!
الويل لنفسي كيفما انقلبت على جنبها او بطنها تجد كل شئ قاسيا اذ لا راحة لها الا فيك. 
وانت ايضا يا حياة حياتي، تمثلتك كائنا عظيما تخترق من كل جانب في الاجواء اللا محدودة، الكون باسره، اعتقدت بانك تخترق السماء والهواء والبحر واليابس في كل جزء منها صغير وكبير ليعانق حضورك.

اصل الشر:
وكان يعوزني البحث عن اصل الشر ومصدره. لم اقتنع باضاليل ماني واتباعه فيما يتعلق بوجود الهين: احدهما صالح، وهو الفاعل الخير ، وثانيهما طالح، وهو العامل الشر.
وكنت اسعى واجتهد لاتفهم هذا الامر، عند تاملي ان لي ارادة، وهذه الارادة كنت متاكدا من وجودها في. فاستدللت من ذلك ان هذا الاختيار الحر المطلق، انما هو مصدر الشر واصله.

دائما .. صانع الخيرات:
عرففت ان جميع الاشياء مخلوقةمنك. وان ما خلقته حسن. وان الشر الذي ابحث عنه جهدي، لم يكن من الاشياء الموجودة.
انما الشر هو تمرد الانسان الذي ينسلخ بهواه عنك ايها الخير السامي. وبسبب تشامخه يفقد رشده ويخرج عن دائرة نفسه فيفقد خيره الصحيح.
فلتسبحك الملائكة وجنود السماء، والشمس والقمر والنجوم، وجميع النيرات وسماء السموات، والمياه التي فوق السموات.

نور وطعام:
ان اهم ما استفدته من تاليف افلاطون، انما هو انني بمعاونة نعمتك، اخذت الج كداخل نفسي، طالبا نورك الدائم الازلي، معرضا عن الامور الدنيئة الحسية.
ايها الحقيقة الازلية والحب الحق السرمدي، ما ان عرفتك لاول مرة حتى رفعتني اليك لتريني ما يجب على ان اراه دون ان استطع الى ذلك سبيلا، وبهرت عيني الضعيففتين باشعاعك الساطع، وكاني كنت اسمعك (انا غذاء اليافعين، لن تحولني اليك كالطعام بل انت تتحول الي).

اقوم:
عندما ترويت في جمال هذه الموجودات، قضيت في نفسي بانه لا يمكن ان يتصور نظام افضل.
وهانذا اخيرا توصلت اليك وعرفتك.
واسقط:
ولكن لسوء حظي ما تمكنت من التمتع بك، الا كلحظة وطرفة عين لانهعندما كان ضياء نورك ، الذي لاحظته، يرفعني اليك، كان في الحال ثقل العبء، الذي القته على منكبي تلك العادات الدنسة، يضغط علي ضغطا هائلا، ويجرني جرا الى الدنايا الخسيسة.
ذلك قبل ان اعانق الوسيط بين الله والناس يسوع المسيح. والطعام الذي يختلط بالجسد ل استطع ان اتناوله.


المعرفة تحتاج النعمة:
لقد حصلت من مطالعة مؤلفات افلاطون على بعض النفع. بعد ادراكي ان الحقيقة تستقصى وراء عالم الاجساد رايت ان "امورك غير المنظورة.. مدركة بالمصنوعات"(رو1: 20)، فايقنت انك موجود، وانك لا متناه، انما بقيت مقصرا عن التمتع بك ورحت اثرثر مدعيا المعرفة، ولو لم ابحث عن السبيل في المسيح، مخلصنا، لصرت الى الهلاك.
لقد عكفت على مطالعة كتبك، ولا سيما رسائل بولس الرسول، وبذا عرفت ان اول حركة تنبهنا الى التماس الحكمة، انما هي من فضل نعمتك.
فكيف يقدر ان يتغلب الانسان على ما في جسده من "ناموس الخطية الكائن في اعضائه"(رو7: 3)؟
وماذا اعمل انا الانسان الشقي من ينقذني من جسد الموت هذا (سوى نعمتك في) المسيح يسوع ربنا"(رو7: 24).