الأربعاء، 29 مايو 2019

اعترافات اغسطينوس #3



هل تفك السلاسل؟
يا رب، من مثلك؟ انت كسرت قيودي.
علمت ان لا طريق يؤدي الى الحياة، غير طريق الفادي يسوع المسيح. فراق لي ذلك، الا انه قد شق على السير في ذلك الطريق الضيق.
زال عني هيجان الشهوات، والشرور خمدت براكينها، وقامت مقامها لذة محبتك وبهجة نعيمك السماوي، فاصبحت مأسورا بحبالها وربطها الحلوة.
كنت في اضطراب شديد من جهة الزواج. لان ميلي الطبيعي الى الزواج كان يستوجب مني ان اقهر نفسي لو انني عدلت عنه.
ارادتان:
كنت مقيدا بقيو من ارادتي الخبيثة. نعم، ثار عندي ارادة جديدة، واتوق الى التمتع بك، ايها الاله. ولكن هذه الارادة لم تصر بعد قادرة على تلك الارادة الاولى، التي بتمادي الاستعمال صارت قادرة.
فهاتان الارادتان: القديمة والجديدة، طحنتا نفسي وعركتاها.
كنت كالنائم المستعذب احلامه. فلا يننهض من رقاده مع انه لا يرغب في الرقاد دائما. فاني مع معرفتي ان تسليم نفسي ليد رافتك خير لي، كنت اترك نفسي تنقاد لهذه الشهوات.
المسني كما لمسته:
قد وجدت الدرة الثمينة، ولم يتبق علي الا ان ابيع كل شئ في العالم واشتريها. ولكني عند هذه النقطة وقفت محتارا لا اعرف ما اختار.
هبط عليّ من لدنك الهام بان اتوجه الى سيمبليسيان، الذي كان القديس امبروز يعتبره كاب له، تلمع من خلاله اشعة نعمتك.
احببت ان احدثه بخصوص حالي، واخبرته بانني طالعت مؤلفات افلاطون، التي اهتم بنشرها فكتوريانوس.
اورد لي هذا العلامة خبر فيكتوريانوس المذكور تحريضا لي على اعتناق الاتضاع المسيحي، وكيف ان هذا الشيخ الكبير ارتد طفلا في احتفال العماد المقدس، وطاطا راسه حاملا نير المسيح على عنقه.
يا ايها الاله، ارجوك ان تقول لي باي شئ مسست قلبه؟
عطر الازهار يعبر البحار:
وافانا في منزلنا رجل من ذوي المناصب العالية، وقعت منه التفاتة على كتاب موضوع عل طاولة اللعب امامنا. فتناوله ، فاذا به رسائل القديس بولس.
فاخذ يجاذبنا الكلام عن امور مسيحية، لي ان افضى به الحديث الى خبر العظيم انطونيوس كوكب البرية الذي به ابتهج القفر وازهر ازهار الترجس في القطر المصري.
في الحال:
اظهرنا استغرابنا من سماع هذه الاخبار التي جرت بامدادات نعمتك ، وفيما كان يرويها كنت ايها الرب توجهني نحوك. وفيما كنت اشيح بنظري الى الوراء كنت تضعني امام نفسي لارى ما انا عليه من الشناعة والقبح، ولكن اين المفر؟
منذ شبابي سالتك (امنحني الطهارة والعفة) ولكن ليس في الحال، كنت اخاف ان تشفيني من مرض الشهوة التي اثرت اشباعها على ترويضها.
ها ان من تحررت كواهلهم يطيرون على اجنحتهم، حينئذ ولجت الى نفسي، وباسواط فكرية جلدتها، حثا لها على اللحاق بي في السير وراءك.
فوران:
وفي اثناء تلك المعركة الضارية هرعت الى صديقي اليب، وصرخت قائلا: ماذا نعمل ههنا؟ اما سمعت؟ الاميون يغتصبون السماء اغتصابا، ونحن بعملنا الفارغ نتمرغ في اللحم والدم ووحل النجاسة! لماذا لا نخجل البتة من عدم اللحاق بهم؟
وما قلت هذا القول الا وفوران قلبي قذفني عنه بعيدا، وهو ينظر الي في دهشة وكانت ملامح وجهي تدل على تاثري وهياجي.
العراك الاخير:
وكان بستان على جانب بيتنا، فدخلته. واليب احب ان ياتي ورائي وهنا كنت اغبي من غضبي على نفسي، فقدت لبي (عقلي) فكنت الطم جبهتي، وانتف شعر راسي، واضرب على ركبتي بيدي.
وهانذا فاني ان كنت مترددا في امري بين ان ارجع الى الله او ابقى على الشر الذي كنت انا الذي اريد، وانا الذي لا اريد. ولذلك ولع العراك بيني وبين نفسي.
كنت مريضا لا بل في حال النزاع، وانا احاول قطع ذلك الحبل الصغير الذي تبقى من رباكات قيودي. ولذلك كنت اقول لنفس: لنعمل ذلك الان!
كيف انسى احلام الصبا:
عاداتي الماضية، ان استيقظت تقدمت مني ضعيفة، شاحبة اللون. وان رقدت هيجت في اللذة والرضا واوهمتني بات ات الفعل عينه. تؤثر على جسدي هذه الرؤى الوهمية فتنال مني نائما ما لا تستطيع ان تنال مني مستيقظا.
هل انا غيري (اثنان) ايها الرب الهي؟ اليست يدك قادرة ان تطفئ بكثرة رحمتك نزوات نفسي اثناء الرقاد؟
امي:
تربت والدتي على النزاهة والعفة والطاعة. وكان الفضل لعنايتك، ولما تزوجت بذلن كل جهدها في رد زوجها اليك. كانت ترشده باعمالها، حتى ان زوجها كان يبادر لها الاحترام والمحبة، مع انه لم يكن نحوك على شاكلتها، ولما كان يشتعل غضبا كانت تلاطفه من غير ان تكدره، وهكذا كان تصرف مونيكا مع حماتها التي كانت في اول الامر تعنفها، الى ان رسخت بينهما المحبة، وتمكنت اخيرا من ارجاع زوجها الى ايمانك.
ذهبا ولم ترجع معه:
ولما اتفق انا وامي ان اجتمعنا وحدنا في شرفة تطل على حديقة، جرى بيننا الحديث في امور كثيرة، حتى ارتقينا اليك ايها الخالق الحبيب، وتلك الارض العلوية. حيث انت تغذي اوليائك من قوت الحقيقة.
وفيما كنا نتحدث اذ بعاصفة من زفرات قلوبنا حملتنا بالروح الى هناك. وبعد خمسة ايام مرضت امي بالحمى، وفي مرضها اختطفت بالروح، ولما رجعت سالتنا: اين كنت انا؟ وبعد برهة فارقت نفسها جسدها.
اعترافاتي، لك ولهم:
اعترافاتي هذه اقدمها اليك لا بالفاظ واصوات، بل بهتاف الفكر الذي تعرفه اذنك.
ما لي وللبشر؟ واي حاجة لهم من سماع اعترافاتي؟ يا جيلا دفعه فضوله الى معرفة حياة الاخرين، ومنعه خموله من اصلاح حياته الخاصة!
لماذا يريدون ان يعرفونني ويابوا ان يعرفوا منك، من هم؟
ان اقراري بالخطايا الماضية المغفورة، يحيي قلب من يقراه، ويمنعه من ان يستسلم للياس، ويوقظه على عذوبة نعمتك التي تقوةى الضعفاء.
هذه هي الثمرة التي ارجوها من اعترافاتي.
القديس ناسكا:
توجه اغسطينوس بعد موت والدته الى قرطاجنة حيث اختلى مع بعض اصدقائه في مزرعة له بالقرب من مدينة تاجست. وهناك اقاموا ديرا مكث فيه 3 سنوات معتزلا ومنقطعا للصوم والصلاة والهذيذ في كلمة الله.
ثم قسا واسقفا:
ذات يوم ذهب الى مدينة هيبو لغرض ما ولما كان اسقفها يبحث عن رجل لترشيحه للكهنوت، امسك الشعب باغسطينوس واتادوه الى الاسقف طالبين رسامته كاهنا لهم.
استعفى اغسطينوس بدموع غير ان الشعب الحّ فقبل مرغما.
واذ اظهر براعته في الوعظ رسمه اسقفا ليكون خليفة له سنة 395 وعمره 41 عاما . وفي السنة الخامسة من حبريته كتب كتاب اعترافاته هذا.
عيون .. وعيون:
وبعد ان اذاب شمعته في خدمة شعبه، رقد في سنة 430م.
وقد ثبت عينيه اثناء مرض نياحته على كزامير داود ليلهج فيها باجفان دامعة حتى ارتخت وانغلقت لتفتح من جديد على الابدية الني اشتهى جمالها طوال عمره.
لما انكسرت القارورة:
ام عظاته وتعاليمه وتفسيره للعديد من الاسفار المقدسة فقد فاضت مع عطر مناجاته واعترافاته وتسابيحه في كل اقطار العالك.
وانكسرت جرة جدعون:
كما تفجر نور الكرازة والخدمة من رهبان اديرته التي اسسا ، بالرغم من هجمات البربر ورغبتهم في ابادة تلك الاديرة.