امر الرب أن يخصصوا ست مدن من بين الثماني والأربعين مدينة للاويين، لتكون مُدن ملجأ يهرب إليها القاتل الذي قتل نفسًا سهوًا، وحقًا أنه لتدبير رائع، سواء في وضعه، أو في الغرض المقصود منه. ومُدن الملجأ الست، نصفها يقع على الجانب الشرقي من الأردن، والنصف الآخر على الجانب الغربي. ..
١- يجب ان يجدها القاتل سهو قريبة منه، سهل الوصول إليها. فكانت بذلك مدينة الملجأ على غير مبعدة من قاتل النفس سهوًا، الذي يتعقبه سيف ولي الدم المُنتقم، وهذا مما يتفق تمامًا مع صفات إلهنا جلّ جلاله. فإذا وقع يومًا ما قاتل النفس سهوًا بين يدي ولي الدم المنتقم، فما ذلك لأن مدينة الملجأ لم تكن قريبة منه، وإنما في الواقع لأنه قصّر في استعمال الواسطة بالهروب إلى مدينة الملجأ. فكل ما هو لازم لخلاصه من ولي الدم قد تجهز، ومدن الملجأ قد تخصصت وتميزت بأسمائها وتعيّنت تمامًا وعُرضت للجميع، وكل شيء كان ظاهرًا بسيطًا سهلاً جدًا. هذه هي طُرق الله العجيبة.
٢- لا شك أن قاتل النفس سهوًا كان عليه هذا الواجب وُمحتّم عليه أن يبذل كل جهده، ويجري بكل ما أوتي من قوة لكي يصل إلى مدينة الملجأ، ولا بد وأن يفعل ذلك لنجاته. ولا يخطر ببال عاقل أن قاتل النفس سهوًا يبلغ به فقد البصيرة وشدة التبجح والرعونة، لدرجة أن يقف مكتوف اليدين مُظهرًا عدم المُبالاة وهو يقول في نفسه: "إن كان من حظي النجاة نجوت، فلا داعي لبذل المجهود.. والشيء الوحيد الذي يجب على قاتل النفس سهوًا فعله، هو الهروب لحياته والتخلص من حكم القتل الواقع فوق رأسه لا محالة، إن لم يدخل داخل أبواب إحدى مُدن الملجأ ليأمن على حياته.
٣- بمجرد وصول القاتل سهوا إليها، يستطيع أن يستنشق نسيم الحرية ولا يمسه أذى ولا شر. وفي اللحظة التي يجتاز فيها باب مدينة الملجأ إلى الداخل، يصير في أمن تام. وهذا يعيد الينا الحقيقة، لا يستطيع المهلك ان يقترب من البكر في بيت لطخت عتباته بدم الحمل.
٤- الخلاص بالرجاء: لم يكن مأذونًا للقاتل أن يخرج لزيارة أصدقائه، كان منفيًا عن أهل بيته وخلانه، وكأنه بمثابة سجين داخل حدود مدينة الملجأ، ولكنه سجين على الرجاء، وغائب عن أهل بيته ومحروم من التمتع بمحبة قلوبهم، متوقعًا بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يموت فيه رئيس الكهنة، فتعود إليه حريته الكاملة ليسترد مرة أخرى ملكه، ويرجع إلى بيته. ونحن نعتقد أن هذه الفريضة ذات المغزى الجميل، تتعلق بنوع خاص ببني إسرائيل، فهم قد قتلوا رئيس الحياة. " .. إلى أن يموت الكاهن العظيم الذي يكون في تلك الأيام. حينئذ يرجع القاتل ويأتي إلى مدينته وبيته إلى المدينة التي هرب منها» (20: 1ـ 6).
٥- سيعامل الله إسرائيل على مبدأ النعمة كقاتل نفس سهوًا، وليس كالقاتل عمدًا «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم يفعلون ما لا يدرون». وقد وصلت هذه الكلمات الفعّالة إلى أذن وقلب إله إسرائيل الذي سمع واستجاب هذه الصلاة، ولا يجوز أن يخطر ببالنا أن استجابة هذه الصلاة كانت قاصرة من حيث انطباقها على يوم الخمسين فقط. كلا، فمفعولها سارٍ إلى الآن، وسيتم تحقيق مفعول هذه الصلاة عمليًا وعلى الوجه الأكمل في مستقبل تاريخ بيت إسرائيل. وشعب إسرائيل الآن تحت رعاية الله، وهو منفي وغريب عن أرضه وبيت آبائه، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه يعود هذا الشعب إلى حظيرة الايمان، .. «لأنني فعلت بجهل في عدم إيمان». ويقول الرسول بطرس «والآن أيها الأخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضًا». هذه الآيات الصريحة إذا أُضيفت إليها شفاعة المسيح الثمينة وهو فوق الصليب، تدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل سيُعامل كقاتل نفس سهوًا. وقد أعد الله ملجأ وحِمَى لشعبه المحبوب،
٦- الايمان بيسوع: لنتأمل في الخطر العظيم المُحدق بكل من الاثنين: قاتل النفس سهوًا، والخاطئ المسكين، وحاجتهما الشديدة التي تدفعهما للهروب والنجاة بالالتجاء إلى مدينة الملجأ والمسيح. وإذا كان يُعّد من الجنون المُطبق أن يتهاون قاتل النفس سهوًا أو يتردد فبالاولى، الخاطئ الذي يتردد او يتوانى عن الإتيان إلى المسيح، لأن التواني في هذه الحالة جنون محض، وكل لحظة ثمينة جدًا، وأنت لا تعلم الساعة التي فيها تُقطع حياتك من أرض الأحياء، وتودع في المكان الذي لا يوجد فيه شعاع واحد من الرجاء ولا بارقة صغيرة من الأمل. مكان الظلمة الأبدية والشقاوة الأبدية والعذاب الأبدي.