اسلوب مرقس:
للارشمندريت يوسف درة الحداد
اسلوب الانجيل هو اسلوب الواقع الموصوف لا اسلوب الفن المدروس، فشتان بين اسلوب مرقس الواقعي، واسلوب يوحنا الرمزي والصوفي. واسلوبه البياني لا يقوم على تقديم سيرة كاملة للمسيح بل على ذكر ايام مشهودة واسابيع معلومة، وتجميع معجزات او جدالات مشهورة مثل السبت الثاني في كفرناحوم او السبت اولا بعد دعوة الرسل والخلافات الخمسة (2: 1-3: 34) ويوم الامثال على شاطئ البحيرة (4: 1-35) ويوم المعجزات الممتاز (4: 35-5: 43) ويوم الجدل الكبير عن بعل زبوب والجدل الاكبر في الهيكل يوم الثلاثاء (11: 19 -12: 47).
وياخذ قصصه الواقعي ميزة الدراما: فسيرة المسيح عنده صراع ظاهر بين المسيح وابليس واعوانه من الانس والجن على سلطان العالم. لذلك كانت اكثر معجزات يسوع في طرد الارواح الشريرة من الانسان. ويفتتح الانجيل بالاحداث التي يصرح فيها الشياطين انهم عرفوه، ونادوا بالوهيته. وقد وردت رواية هذا الصراع بين المسيح وابليس باسلوب قصصي شعبي هنا بينما وردت في انجيل يوحنا اسلوب رمزي صوفي.
كتب مرقس انجيله للرومانيين ليبين ان المسيح "ابن اله"(1:1).ومع ذلك، فهو يبين ايضا انسانية يسوع في اجلى مظاهرها. وهذه امثلة على ذلك:
فاهل يسوع يعتبرونه مجنونا (3:21)، وتهمة الجنون بحق الانبياء مالوفة.
ويسوع هو النجار (6: 3)
ولم يستطع ان يصنع شيئا من المعجزات بسبب عدم ايمانهم (مر6: 5)،
وتحداه الفريسيين ان يصنع معجزة مثل معجزة نزول المن فرفض (8: 13).
ورد صفة "الصلاح" عنه اذ طلا صالح الا الله"(10: 18).
وتظاهر انه لا يعرف يوم الدين ، المحفوظ للاب وحده (13: 32).
وعلى الصليب يقول "الهي الهي لماذا تركتني؟"(15: 34).
تلك المواقف السبعة تدل دلالة اكيدة على بشرية يسوع، كما تدل تصريحاته ومعجزاته على الوهيته. فالرب يسوع انسان واله معا.
ويظهر بيان مرقس في الكشف عن سر المسيح. فهو لا يذكر حادثة ميلاد الرب مثل لوقا ومتى، بل يتناول سيرته في بدء رسالته، كانه شخص هبط من الملأ الاعلى. وينقل لنا مرقس اللقب الشعبي المالوف في الناصرة: "النجار ابن مريم"(6: 3)، ينقله لمعناه البعيد، فهو لا اب له على الارض، فلا ينتسب الا لامه ولابيه السماوي – ولا ذكر البتة ليوسف. ويتستر يسوع وراء لقب "ابن الانسان" لمعناه البعيد في نبوة دانيال. ويتحفظ يسوع في اظهار سره حتى "يقوم ابن البشر من الاموات".
فمرقس يركز على "سر المسيح" المختوم، المورى عنه بلقب "ابن الانسان"، واذ يكشفه يسوع لرسله شيئا فشيئا، بينما يظل محجوبا عن الشعب لئلا يثور ويعثر، حتى الاسبوع الاخير واليو الحاسم، فيبدا في الاعلان الصارخ في احد الشعانين، ويوم الثلاثاء العظيم فيعلن انه "ابن داود وربه" في ان واحد.
يوسف درة حداد