يعتبر سفر صفنيا "نبوة صغيرة"، ولكنه يشهد على اول مزج للنبوة بالاخرويات. كان معاصرا لارميا وربما لناحوم ايضا. ويبدو ان ظهور ارميا جاء مباشرة في اعقاب نبوات صفنيا الاولى. وفي الحقيقة ان ارميا ادرك – ما تنطوي عليه سطحية الاصلاحات التي اجراها يوشيا الملك بتاثير دعوة صفنيا والتي ابتهج بها صفنيا.
معنى الاسم صفنيا "يهوة قد حفظ". جاء بعد صفنيا انبياء (اذا سلّمنا بالتأريخ المتأخر لهذا النبي)، هم ارميا وحبقوق وعوبديا وحزقيال وناحوم، كما سبقه انبياء هم اشعياء وميخا. فلنا ان نقول ان محتوى السفر يجب ربطه بالاصلاح المنسوب الى يوشيا والذي جرى سنة 621 ق م، ولنا ان نفترض ان دعوة صفنيا كانت احد الاسباب التي ساهمت في قيام هذا الاصلاح. اذا، نستطيع ان نستنتج ان التاريخ المحتمل هو قرابة 627 ق م.
ظروف النبوة:
كانت رسالة صفنيا محفوفة بالخطر والامل في ان واحد. وخلال حكم منسى الطويل الامد (696- 642 ق م) تدهورت الحالة الاخلاقية والدينية تدهورا اسيفا (2مل21). اذ بنى من جديد المذابح التي هدمها ابوه الملك الصالح حزقيا، واعاد عبادة البعل، فامست الخرافات وعبادة الكواكب بل والذبائح البشرية ايضا جزء من ديانة قائمة على الشكل الخارجي والطقوس الباطلة، التي تسعى لاسترضاء قوى الهية غامضة. وكانت هذه الديانة في افضل حالاتها، توفيقا بين ديانات مختلفة اذعانا للاسياد الاشوريين. صحيح ان منسى تاب قبل موته (2اي33: 12). وواضح ان الاهداف الشريرة لملكه لم تحظى بالتاييد من كل الشعب. فقد جاء يوشيا في امة تاق الكثيرون فيها الى ديانة انقى. وكانوا مستعدين لسماع صفنيا واتباع الملك في اندفاعه في الاصلاح.
نبوة عامة عن دينونة الله
اعلان الدينونة
ليس بالامر الاعتيادي نسب المرء الى ما قبل جده، الا لو كان هناك غرض معين، مثل تضمينه احد الاجداد ذوي الشأن. وغير معلوم هل "حزقيا" المذكور في نسبه هو نفسه ملك يهوذا ام لا. واسم "كوشي" هو اسم غريب لرجل عبراني. ففي تث23: 8 كانت الوصية ان لا يقبل مصريا او حبشيا الا بعد 3 اجيال. وهذا ما يبرر طول قائمة النسب وبالتالي لا مجال لاعتبار ان "حزقيا" المذكور هو الملك والا كان قد ذكر لقبه "ملك يهوذا".
"بقية البعل" ترجمت ايضا الى اسماء البعل. والرذائل المذكورة هي التي ازالها يوشيا (4-6). الدينونة تاتي على "سكن اورشليم". هذا الافتقاد الالهي موصوف ب "يوم الرب". سينزع الرب فيه كل شئ - .. حتى الاصنام (مخشيلوت وترجمت الى معاثر)، والاشرار الذين يعبدونها.
فان اخر اثار عبادة البعل "بقية البعل" سيزال كما ان الكماريم (2مل23: 5) وهم كهنة الاصنام اللابسو السواد، وكذلك كهنة الرب غير لامناء سييبادون جميعا (4). ولا يشار الى عبادة الكواكب في المملكة الشمالية لذا يبدو ان مرد قوتها في اورشليم هو تاثير نفوذ اشور.
"الحالفين بالرب والحالفين بملكوم" الحالفين بملكوم سيبادون. لكن السؤال- لماذا سيباد "الحالفين بالرب". المقصود بهم الساعين الى اشراك المذاهب الوثنيةالماخوذة عن الامم المجاورة. "ملكوم"تعني ملكهم ويظن انه مولك وهو اله كنعاني. وفيما يحاول التقليد القديم ان ربط بين مولك هذا وملكوم اله عمون القومي، لا يوجد دليل كاف على صجة هذا الربط.
تحديد الدينونة:
الرب "قدس مدعويه" اي عيّن من سيدمرون اسرائيل. معظم الظن ان صفنيا ينظر ي هذا المقطع الى افتقاد الهي رهيب من قبل العناية الالهية، او الى عدو ما يقترب، لعله السكيثين (الذين غزوا اشور ومادي).. يوم الرب عند صفنيا يتجه الى اليوم الاخير (الاخروي).
ها هو الان يضمّن الطبقة الارستقراطية (8)وما تقلده من ازياء غريبة (8). "يقفزون فوق العتبة" يشير الى كهنة داجون الذين كانوا يتحاشون ان يدوسوا عتبة هيكله لان صنمه وقع عليها (1صم5:5).
"كل شعب كنعان" يشار به الى التاجر (هو12: 7).
جميع الطبقات السابقة "يفتش عنها بسراج"(12). هؤلاء انحطت اخلاقهم وصاروا مضرب المثل في الكل واللامبالاة (ار48: 11و12). شبههم ب "الجامدين على درديهم"(12) وهي صورة الخمر راكدة منذ زمن طويل.
وصف الدينونة:
ليس ثمة وصف ليوم الرب اكثر وضوحا من هنا (15 و16). في الواقع ان الدينونات المذكوره هنا لم تتم هكذا، وتنتظر ذلك "اليوم" الذي يفتقد الله فيه كل شر بالدينونة الشاملة.
امكانية تجنب الدينونة:
لم يشمل الغزو السكيثي لكنعان الجنوبية والغربية اورشليم باجتياحاته، وبعناية من الله استتروا من هذا الخطر. واذ يدفع صفنيا للتنبوء باجتياح مشابه لذلك الاجتياح نوعا، لا يمكنه البعد كثيرا عن الافكار التي اوحتها غزوات السكيثيين.
ليس البائس هو الضعيف بالضرورة ،بل هو من ينحني تحت يد الله القوية.
نبوة مفصلة عن احكام الله:
يضم هذا المقطع سلسلة نبوات بخصوص بعض الامم المجاورة ، وبخصوص امم اخرى، كالحبشة في ع12، تمثل البلدان النائية. وترتبط بالدينونة الشاملة للعالم كله في الاصحاح الاول.
على فلسطين (2: 4-7):
كانت هذه الامة بحسب هيرودوت واقعة في طريق الغزو السكيثي، لكن هذا الغزو بحسب هيرودوت ايضا، لم يبتعد كثيرا عن السهل الساحلي. الا ان في نية النبي هنا بلادا مساحتها اكبر ، كما يلاحظ من الاعداد 8-11. "غزة تكون متروكة" اي مفرغة من سكانها.
على مواب وعمون:
تنددالنبوة بعجرفة مواب وعون. ولا يوجد ما هو اكثر دمارا مما وصف هنا اذ تصير "خرابا الى الابد" وهذا تم قبل مجئ المسيح بزمن بعيد، على انه لم يتم الا بعد مرور زمن طويل على ملك يوشيا.
على مصر:
تطلق لفظة الكوشيين هنا على مصر. ربما بسبب خضوعها لفترة طويلة لحكم الاحباش، او للصلة الوثيقة بينهما باعتبارهما حليفتين زمن الحرب (ار46: 2-9 وحز30: 5-9). وقد تمت هذه النبوة عندما هزم نبوخذنصر مصر في العام 37 من حكمه.
على اشور (13-15):
تم ذلك سنة 612 ق م. فعلى مدى 50 سنة على الاقل كانت سيادتها مقبولة من قبل يهوذا. فكما نثرت ركام الخراب فوق غرب اسيا، قدر لها ان يصبح مجدها طويل الامد لا اقل من الركام، يهز المسافر راسه عند مراها. هكذا هو المجد الدينوي قلاب، وهكذا هي عواقبه، لا مضمونة، ولا مامونة!
على اورشليم (3: 1-8):
توجّه الى المدينة تهمة النجاسة والجور. والعصيان والتعجرف ضد الانبياء واللامبالاة بالله. اضف ان المدينة نسيت الله الذي "لا يفعل ظلما" والذي "صباحا فصباحا يشرق يشرق فجر عدله"فما اغبى ان تتكبر اورشليم ، فيما الله الذي ازال امما من الوجود، هدما قلاعهم، وجاعلا شوارعهم مقفرة،.." على اهبة ان يزيل المدينة التي كانت مقدسة! لذلك يناشد صفنيا اورشليم باسم الرب ان ترجعاليه (8).
تجدر ملاحظة ان صفنيا لم يشر الا بعض الاشارات غير المباشرة الى بعض الخطايا الاجتماعية (مثلا 2: 3) ويبدو هنا محلقا مجازا اثام يهوذا والامم المجاورة، بل مجاوزا ايضا احداث المستقبل الوشيك الى زمن الاخرة.
الوعد بالبركة:
لبقية يهوذا (9-13):
تتحدث البوة هنا عن يوم لعقوبات الله التاديبية. فليست الدينونة عند الله غاية لذاتها. وهو لا يعاقب بلا مسوغ. فدينونته تبدو منجزة هنا لقصد افتدائي رحيم. والاشارة هنا للبقية المتواضعة التي قبلت التاديب "شعبا بائسا مسكينا". فان دينونة الرب ستقع على الجميع (2: 4-15) وهكذا ستحل بركات الانجيل على العالم اجمع شاملة شمول احكام الدينونة (2: 11 و3: 9و10).
تختلف اللهجة في الاعداد الختامية اختلافا حمل بعض العلماء على الاعتقاد بانها تعود الى ما بعد السبي. من المؤكد ان النبي يتكلم عن الايام العظيمة التي هي في طي المستقبل، يوم يملك الرب عليهم ، ويوم لا يلقون فيه مضايقة العدو. وباستعماله صيغة التمام النبوي (15) يمدنظره الى المستقبل، فيرى الامور التي لم تقع بعد وكانها حدثت فعلا.