خيل وذهب ونساء:
لما كان الشعب لا يزال في البرية تنبأ الرب
بالزمن الذي سيكون له فيه ملك، وسمح في حكمته ان تتضمن كلمته المكتوبة ارشادات
وانذارات للملك العتيد تحذر الملك ون ان يكثر لنفسه الخيل اوالنساء او الذهب. والعجيب
ان سقوط سليمان تجلت بصورة بارزة في هذه الامور الثلاثة. فعلى مر السنين ضاعت صفة
التواصع التي قال فيها للرب ، وانا فتي صغير، واصبح انسانا عنيدا فريسة للارادة
الذاتية،، الا نرى شيئالامن هذا القبيل في كنيسة الله؟ ان النجاح والرخاء اللذان
منحا لسليمان كانا اكبر بكثير مما يسعه ايمانه الهزيل. ولم تكن للامور غير
المنظورة والابدية نفس القيمة التي كانت لها في نظر ابيه، لانه لم يتدرب في مدرسة
الالم والضيق مثل ابيه. وانها لفكرة مذلة ان نكون في حاجة الى الضيق والحزن لكي
نحفظ سائرين في الطريق الصحيح.
ربما كانت ابنة فرعون هي التي اشارت عليه
باقتناء الخيل لانه يبدو ان مملكة ابيها كانت ارض الخيل (اش31: 3) نحن نقرأ في
ايام داود عن بغال وحمير ، لكن يظهر انه لم يكن لهذه الدواب المتواضعة مكان عند
سليمان، باستثناء اليوم الذي ركب فيه بغلة داود في طريقه الى جبعون لمسحه ملكا. ويحدثنا
سليمان ، "ان الفرس معد ليوم الحرب"، ويضيف الى هذه الحقيقة ، حقيقة اكثر صدقا،
الحقيقة التي تناساها فيما بعد ، "اما النصرة فمن عند الرب". ومن هنا نفهم ان الخيل
كانت تستخدم في زمانه لاغراض عسكرية، كما ان الثيران كانت تستخدم للزراعة. ولكن
داود كتب قبل ان يبدأ سليمان عهده الملكي، باطل هو الفرس لاجل الخلاص وبشدة قوته
لا ينجي (33). وفي موضع اخر يقول "لا يسر الرب بقوة الخيل"(مز147) . نعم،
ففي ايام الخطر يكون الرب لشعبه اكثر بكثير من كتائب الفرسان، اما عن اعداء شعبه
فمكتوب ، من انتهارك يا اله يعقوب يسبخ فارس وخيل"(مز 76: 6).
على ان سليمان انحرف تدريجيا عن هذه
الحقائق الناففة، فلنحذر نحن لئلا يدرفنا التيار بعيدا عما تعلمناه من الله.
وليتها تكفينا تلك الفقرة المأثورة التي رددها بولس الرسول للكورنثيين "الستم
تعلمون؟". نعم ليتها تكفينا في تذكير قلوبنا بخطر اغفال ما تعلمناه او
نسيانه.
يبدو ان سليمان قد انشا تجارة الخيل بصورة
ملحوظة حيث نقرأ وكان مخرج الخيل التي لسليمان من مصر، وجماعة تجار الملك اخذوا
جليبة من الخيل بثمن (1مل: 28).
ومن العدد التالي نفهم ان سليمان كان يبيع
الخيل لملوك الحثيين وملوك ارام. ربما كانت هذه التجارة مربحة، غير ان الرب لم يسر
بعبده وهو يتعامل فيها.
لما دخل عب الرب ارض كنعان قال الرب
"تعرقب خيلهم وتحرق مركباتهم بالنار"(يش11: 9). ذلك لان اله اسرائيل كان
يعارض في استخدام اساليب الامم في عمله، ويحتم ان تكون ثقة شعبه في شخصه وحده.
واذا تتبعنا تاريخ سليمان نجد ان محبة
الذهب تسلطت عليه. لكن الرب كان مشفقا على عبده الغض، وقد لفته محبة الذهب كثيرا.
فقد كانت له اساطيل في البحر. كانت تأتي له بالذهب والفضة بوفر بالغة. وكان الذهب
شيئا مألوفا حتى انه صنع 200 ترس من الذهب المطروق وكان وزن الترس 600 شاقل من الذهب
كما انه عمل 300 مجن، ومن المحقق ان هذه الاسلحة لم تكن معدة للقتال بل لمجرد
الزينة! على ان هذه الزينات الفاخرة، الكثيرة الثمن، اضاعها رحبعام في الحرب وفي
تقليده الباطل، عمل بدلا منها مجان من نحاس، عرضها عند دخوله الى بيت
الرب"(1مل14: 25-28). حقا، ما اضل الانسان وما اكثر بطلان الجسد، فانه يود لو
يحتفظ بالمظاهر حتى بعد اختفاء الحقيقة وضياعها!! وانها لمفارقة عظيمة بين هذا
الذي نراه ، وبين ما سوف يكون حين يرد الرب شعبه بالنعمة. "عوضا عن النحاس
اتي بالذهب. وعوضا عن الحديد اي بالفضة.(اش 60). كل تظاهر يزول.
وفي رسالة الرسول بولس يحذرنا من
"محبة المال" يقول ان هناك فريقين: فريق يريدون ان يكونوا اغنياء
فيطعنون انفسهم باوجاع كثيرة وغبية تغرق الناس في العطب والهلاك. والفريق الاخر
"الذين هم اغنياء في الدهر الحاضر" ولاحظوا كلمة "الدهر الحاضر"(1تي6:
9-19). وهنا تدوي في اذاننا وقلوبنا كلمات اليشع "اهو وقت لاخذ الفضة ولاخذ
ثياب وزيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجواري؟"(2مل5: 26). والرسول يذكر
المؤمنين الاغنياء بان الغنى غير يقيني، وان ثقتهم ينبغي ان تكون في الله الحي
الذي يعطينا كل شئ بغنى للتمتع. فالله يريدنا ان تمتع بسخائه وعطاياه.
لذلك يجب الاكثار من الاعمال الصالحة،
وبالسخاء في العطاء ينبغي ان تأخذ بأيدي المعوزين "مدخرين لانفسنا اساسا حسنا
للمستقبل". ولدينا من كلمة الله قدوة في وكيل الظلم (لو16).
فان سيدنا له المجد لم يقر ذلك الوكيل على
خيانته ، وانما استحسن حكمته وفطنته. فلما واتته الفرصة احسن استغلالها للمستقبل.
وعلى المسيحي ان يفعل هكذا مع الفارق. وهو ان وكيل الظلم كانت تنتظره ايام بطالة
مخيفة. اما المسيحي فينبغي ان يضع نصب عينيه كرسي المسيح. حيث تظهر كل تصرفاتنا في
نور الله. فعلينا ان نكون "مدخرين لانفسنا اساسا حسنا للمستقبل" وذلك
بالمباينة مع ما نجده في 1تي5: 6 "اما المتنعمة فقد ماتت وهي حية".
في 1مل10 نقرأ عن الذهب عشر مرات: فقد كان
سليمان يحب الذهب. غير ان "المستعلي عند الناس هو رجس قدام الله"(لو16:
15). فلنذكر هذا في تصرفنا ، فان التزلف طية كبيرة ، وحينما نسمح لاشخاص ان يقودوا
ويرشدوا ويتسلطوا لمجرد كونهم حاصلين على مال اكثر من غيرهم فتلك كارثة. فانه حتى
في مسألة تسليم العطية النقدية في الكنيسة في اورشليم احتاج الامر الى رجال
"مملوئين من الروح القدس وحكمة"(اع6: 3).
ان اهتمام سليمان وشغفه بالخيل كان شيئا
رديئا، ومحبته للذهب كان محفوفا بالمخاطر، لكن شهوته للنساء كانت مأساة. ان هذه
الاشياء الثلاثة كانت محرمة باوامر من الله كما رأينا. وعن هذه الظاهرة تحدث نحميا
وهو يوبخ البقية الراجعة من اجل اقترانهم بنساء غريبة "اليس من اجل هؤلاء
اخطأ سليمان ملك اسرائيل؟"(نح13: 26).
ان المباينة الظاهرة في افتتاحية الاصحاحين
10 و11 من سفر الملوك الاول خطيرة جدا. ص10 يحدثنا عن تطويب ملكة سبأ له.. وص11
يحدثنا عن نساءه اللواتي املن قلبه.
ان الرجل الذي صلى متضعا امام الرب عند
تدشين الهيكل اصبح ساجدا عابدا لعشتاروث وملكوم وغيرهم من الاوثان! ذلك الذي شيد
لاسم الرب هيكلا، هوى للحضيض حتى انه "بنى مرتفعة لكموش رجس الموابيين على الجبل
الذي تجاه اورشليم (اي جبل الزيتون)، ولمولك رجس بني عمون. وهكذا فعل لجميع نسائه
الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لالهتهن" فاورشليم الحبيبة لقلب الله قد
احيطت بحزام من كل ما هو كريه في عينيه. وبينما نراها في 1مل10 مركزا للنور الالهي،
نراها في 1مل11 مرقدا لابشع صور الوثنية. ايه يا سليمان!!! "كيف سقط
الجبابرة؟"(2صم1: 27).. وكم هو محزن ان نسمع قول الوحي: "فغضب الرب على
سليمان لان قلبه مال عن الرب اله اسرائيل، الذي تراءى له مرتين". لماذا مال
قلبه؟ لان نساؤه املن قلبه. ولاحظوا معي خاتمة العبارة السابقة "الذي تراءى
له الرب مرتين"..
مكتوب رأس المرأة هو الرجل" والزوجة
المتعلمة من الله تقر بهذا الترتيب الالهي، لكن المرأة التي لا تعرف الله ترفض هذا
الوضع وتسعى للسيطرة على الزوج. وها هو سليمان، برغم كفاياته ومؤهلاته الهائلة،
يقع تحت سطوة نسائه.
ان الاصحاح31 من سفر الامثال يصف لنا
الزوجة المثالية ، غير ان سليمان شخصيا لم ينجح في العثور عليها. وبقلمه يكتب
"رجلا واحدا بين الف وجدت، اما امرأة فبين كل اولئك لم اجد"(جا7: 28).