رجاء ايوب
الله شاهدي
(16: 18 -22)
بعد شكوى عنيفة (13) تتبعها استعارات يأس (15) يهتف ايوب "على ان يدى لا عنف فيهما وصلاتي طاهرة"(16: 17).
وفجأة، وكأن هذا الذكر السريع للصلاة يوقظ فيه يقينا طال كتمانه، اذ بالرجاء يظهر :
"ايها الارض لا تغطي دمي ..
في السموات شاهد متأهب للتدخل لصالحه. وهو وحده يستطيع ان يحكم بعدل. انه اخر الامر الصديق الوحيد الذي يستطيع بائس ان يبكي امامه من غير خجل "الْمُسْتَهْزِئُونَ بِي هُمْ أَصْحَابِي. ِللهِ تَقْطُرُ عَيْنِي"(16: 20). ويشرع ايوب في ادراك رجاءه حتى قبل ان يجد تفسيرا لالمه. ومع ذلك المفارقة تبقى، فالله شاهد وهو في نفس الوقت قاض.
الله كفيلي (ضامني) (17: 3):
يعود ايوب بعد ندائه الى الشاهد السماوي الى الحقيقة القاسية: لقد اضمحلت روحه واصدقاؤه يهزاون به (17: 1). فالى اين يلتفت مرة اخرى؟ يقول ايوب "اجعل كفالتي لديك. فمن الذي يصفق على يديّ؟". بما انه ما من احد يريد ان يكون كفيلا لايوب فان الله نفسه سيكون كفيله (اش38: 14 و مز119: 122).
سيكفل الله عبده، لا لكي يطالب بان يدفع دينه، ولكن بأن يقوم مقام ايوب وياخذ الدعوى على نفسه. اجل ان الدعوى التي يرفعها ايوب يفترض عنده صورة مزدوجة: فالله هو الذي يعطي ويقبل الكفالة معا. يسأل الله ان يجعل وسيطا بين ايوب وبين الله نفسه. لم يقل شيئا في هذه الوساطة. كان التقليد النبوي قديما يكرر ان الرجوع الى الله يأتي من الله (مرا5: 21 و ار31: 18).
الله وليّ (فاديّ):
(19: 25- 27)
يتخذ الله لنفسه لقب عزيز يعقوب (اش49: 26)، وصخرته (مز78: 35) وملكه (اش44: 6)، وقدوس اسرائيل (اش41: 14)، وخالقه وزوجه (اش54: 5)، ويهديه الطريق (اش48: 17)، وهو متأهب دائما للثأر له (اش47: 3). ولذلك عندما يتكلم اسرائيل عن فاديه فان تقواه تتصف بالحب البنوي "انت يا رب ابونا، منذ الازل اسمك فادينا"(اش63: 16). يسمى الله الفادي احيانا قليلة لانه يدافع عن اليتيم (ام23: 11) وعن شعبه (ار50: 34). لا شك ان صورة الفادي في سفر ايوب (19: 25) تشير قبل كل شئ الى اطار الدعوى هذه، ولكن ايوب يرفع دعواه الى المخلص، الى الله الفادي – حسبما يرد في التقليد النبوي - اكثر منه الى شاهد او قاض.
يريد ايوب ان يكون متضامنا في ألم جميع الابرياء في المستقبل، ويطالب بأن تنقش اقواله للابد في الصخر (23). ولا ننس ان ايمانه يفتح له مخرجا "فاديّ حي. وسيقوم الاخير على التراب. وبعد ان يكون جلدي قد تمزق اعاين الله في جسدي. اعاينه انا بنفسي. وعيناي تريانه لا غيري. قد فنيت كليتاي في داخلي". من هذا الفادي؟ وعبارة "على التراب" سيكررها ايوب في التجلي الاخير(42: 6).
الله الفادي يظهر بعد موت ايوب باقامته من الاموات. الله سيجدد جسد ايوب، لا جلده فحسب. وفي الترجمة اللاتينية "انا اعرف ان فاديّ حي. وفي اليوم الاخير ساقوم على الارض".
لا يحوي رجاء ايوب اي هدف لسعادة دنيوية، لان ايوب لا يتكلم بوضوح ابدا على حالة الانسان بعد الموت. وما ذلك الا لانه ينفر من كونه محدودا. فنحن نسمعه يسائل نفسه "وابن ادم متى فاضت روحه اين يوجد؟"(10:14). هناك امر واحد ذو قيمة عنده. علاقته بالله. لقد عرف ايوب ان كل حياة للانسان بعد الموت هي سالفا ضمن حياة الله (مز16 و 49 و 73). وهذا كاف له. مع الله الحي الحياة تنتصر. أ الى الابد؟ لا يقول ايوب شيئا في ذلك. فهو لا يعرف شيئا في شأنه. ولكن ما يدعو للدهش، هو انه يبدو وكأنه لا يبالي بذلك. كما لو كانت صداقة الله تعني في نظره منذ الان، ما بعد الموت. ان السيد المسيح لما ساله الصدوقيون عن القيامة اعتمد هو ايضا في جوابه عن سؤالهم على حياة الله واستمرار صلة العهد في ما بعد الموت"(مت22: 23).