الاناشيد الدينية في سفر ايوب
التسبيح في سفر ايوب
في سفر المزامير يلاحظ موضوعان اساسيان لتسبيح الله: تسبيح الله في رحمته، وتسبيح الله في مجده، مجده الذي يظهر في الخليقة او في التاريخ.
سفر ايوب او بالاحرى الحوار بين ايوب واصدقائه يتمثل في 3 حلقات هي: الاصحاحات 4-14 و 15-21 و 22-27.
ما يدهشنا اول وهلة، هو عدم وجود اثر لهذه التسابيح في الحلقة الثانية من الحوار بين ايوب و اصدقائه، كما لا يظهر تسابيح لايوب الا في الحلقة الاولى فقط.
ان الله لا يستطيع ان يسبر غوره اي انسان "أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟"(11: 7)، ذلك الذي لا يمكن ان نعيّن له مكانا في حدود المخلوقات " هُوَذَا اللهُ فِي عُلُوِّ السَّمَاوَاتِ. وَانْظُرْ رَأْسَ الْكَوَاكِبِ مَا أَعْلاَهُ!"(22: 12)، الذي يفوق كل تخيّل مكاني " أَإِلَى عُمْقِ اللهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ أَطْوَلُ مِنَ الأَرْضِ طُولُهُ، وَأَعْرَضُ مِنَ الْبَحْرِ"(11: 7-9)، ولا يدع الانسان يرى سوى اطراف طرقه (او هدب اعماله في ترجمة اخرى) اي قبس ضئيل من عظمته "هَا هذِهِ أَطْرَافُ طُرُقِهِ، وَمَا أَخْفَضَ الْكَلاَمَ الَّذِي نَسْمَعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا رَعْدُ جَبَرُوتِهِ فَمَنْ يَفْهَمُ؟"(26: 14).
بينما يشدّد الاصدقاء على انقلاب الاحوال التي يحدثها الله "الْجَاعِلِ الْمُتَوَاضِعِينَ فِي الْعُلَى، فَيَرْتَفِعُ الْمَحْزُونُونَ إِلَى أَمْنٍ"، "18لأَنَّهُ هُوَ يَجْرَحُ وَيَعْصِبُ. يَسْحَقُ وَيَدَاهُ تَشْفِيَانِ"( 5: 11، 18)، والتي تحقق حتما سعادة الابرار يفضل ايوب ابراز ايثار الله لانقلاب القيم ذلك الانقلاب الذي لا ينفك يخالف ما يتوقعه الانسان "عِنْدَهُ الْعِزُّ وَالْفَهْمُ. لَهُ الْمُضِلُّ وَالْمُضَلُّ. يَذْهَبُ بِالْمُشِيرِينَ أَسْرَى، وَيُحَمِّقُ الْقُضَاةَ. يَحُلُّ مَنَاطِقَ الْمُلُوكِ، وَيَشُدُّ أَحْقَاءَهُمْ بِوِثَاق. يَذْهَبُ بِالْكَهَنَةِ أَسْرَى، وَيَقْلِبُ الأَقْوِيَاءَ. يَقْطَعُ كَلاَمَ الأُمَنَاءِ، وَيَنْزِعُ ذَوْقَ الشُّيُوخِ. يُلْقِي هَوَانًا عَلَى الشُّرَفَاءِ، وَيُرْخِي مِنْطَقَةَ الأَشِدَّاءِ. يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ مِنَ الظَّلاَمِ، وَيُخْرِجُ ظِلَّ الْمَوْتِ إِلَى النُّورِ. يُكَثِّرُ الأُمَمَ ثُمَّ يُبِيدُهَا. يُوَسِّعُ لِلأُمَمِ ثُمَّ يُجْلِيهَا. يَنْزِعُ عُقُولَ رُؤَسَاءِ شَعْبِ الأَرْضِ، وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيق. يَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ مِثْلَ السَّكْرَانِ."(12: 16- 25).
ان تسبيحات ايوب اذ تتناول الموضوعات والاستعارات التقليدية، تبدل تبديلا عميقا هذا الواقع الاسرائيلي. تبقى عناصر التسبيح لكن الهدف منها يختلف عما في سفر المزامير.
بينما تصبح تسابيح الاصدقاء سلاحا لمحاربة ايوب ووسائل للضغط عليه. ربما لا يبعدون تماما اسباب العزاء تماما: فالله يخلّص الانسان الذي فقد كل شئ وينتشل المسكين من يد القوي "الْمُنَجِّيَ الْبَائِسَ مِنَ السَّيْفِ، مِنْ فَمِهِمْ وَمِنْ يَدِ الْقَوِيِّ"(5: 15) وبالتالي فان الفقير له رجاء "فَيَكُونُ لِلذَّلِيلِ رَجَاءٌ وَتَسُدُّ الْخَطِيَّةُ فَاهَا"(5: 16)، ولكن بشرط ان يكون خاشع "إِذَا وُضِعُوا تَقُولُ: رَفْعٌ. وَيُخَلِّصُ الْمُنْخَفِضَ الْعَيْنَيْنِ."(22: 29). الالتباس واضح في اقوال اصدقاء ايوب. فايوب يجب ان يكون خاشع لانه ليس سوى دودة "فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الإِنْسَانُ الرِّمَّةُ، وَابْنُ آدَمَ الدُّودُ؟"(25: 6). اسكات الانسان المتألم، ولو باسم عظمة الله، ليس سوى سد طريق الحق في وجه الانسان وهذا اهانة للحق الالهي.
ايوب يقتصر في تسبيحه على الموضوعات التي ترفع شأن قدرة الله . يواصل شكواه "12أَبَحْرٌ أَنَا أَمْ تِنِّينٌ، حَتَّى جَعَلْتَ عَلَيَّ حَارِسًا؟" و "مَا هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَعْتَبِرَهُ، وَحَتَّى تَضَعَ عَلَيْهِ قَلْبَكَ؟ وَتَتَعَهَّدَهُ كُلَّ صَبَاحٍ، وَكُلَّ لَحْظَةٍ تَمْتَحِنُهُ؟ حَتَّى مَتَى لاَ تَلْتَفِتُ عَنِّي وَلاَ تُرْخِينِي رَيْثَمَا أَبْلَعُ رِيقِي؟ أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟" و (7: 12 و 17-20). يلبس مظالمه استعارة نشيدية لكن يجعلها اكثر حدة " هُوَذَا يَمُرُّ عَلَيَّ وَلاَ أَرَاهُ، وَيَجْتَازُ فَلاَ أَشْعُرُ بِهِ. 12إِذَا خَطَفَ فَمَنْ يَرُدُّهُ؟ وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 13اللهُ لاَ يَرُدُّ غَضَبَهُ. يَنْحَنِي تَحْتَهُ أَعْوَانُ رَهَبَ"(9: 11-13). يجعل قوة الله اكثر معارضة لمشروعه الخلاق "يَدَاكَ كَوَّنَتَانِي وَصَنَعَتَانِي كُلِّي جَمِيعًا، أَفَتَبْتَلِعُنِي؟ اُذْكُرْ أَنَّكَ جَبَلْتَنِي كَالطِّينِ، أَفَتُعِيدُنِي إِلَى التُّرَابِ؟ أَلَمْ تَصُبَّنِي كَاللَّبَنِ، وَخَثَّرْتَنِي كَالْجُبْنِ؟ كَسَوْتَنِي جِلْدًا وَلَحْمًا، فَنَسَجْتَنِي بِعِظَامٍ وَعَصَبٍ. مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي"(10: 8-12). الخلاصة، تسابيح ايوب الغريبة لا تشوّه الروح الذي يسري في الاناشيد العبرية، وهي تبقى صلوات شخص يرفع شكواه لله، فالشدة جزء لا يتجزأ من لغة الحب.