خضوع ايوب
فهم ايوب رسالة الله. فهو مثل المؤمنين الكبار تخلى في اول حواره عن مواصلة النقاش والجدال، وقال عبارته المشهورة "تكلمت بطيش فماذا اجيبك؟"(40: 3-5) واضاف "اني اجعل يدي على فمي ..". وهو سيذكر اسباب ما عزم عليه باكتشافه امرين: الاول، يتعلق بعلم الانسان، والثاني، باختباره لله.
العلم والجهل:
كرر الرب طوال حواره الاول "ماذا تعلم ماذا تعرف؟" عن هذا يستطيع ايوب ان يجيب الان:
"قد علمت انك قادر على كل شئ"
اني قد اخبرت من غير ان ادرك بعجائب تفوقني ولا اعلم".
فالعجائب التي قد ذكرها اليفاز "الْفَاعِلِ عَظَائِمَ لاَ تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لاَ تُعَدُّ"(5: 9)، قد اظهرها الله قبل قليل لايوب في نور التجلي الالهي. يسلّم ايوب ان عمل الله يفوق ادراكه، وانه وهو الانسان المسكين لا يستطيع الا ان يرى فيه الغازا، وهكذا الحال مع قضية الالم التي تثير حيرة الناس، بالتاكيد لها معنى مخفي في مقاصد الله.
السماع والرؤية
يستطيع الان ايوب ان يفصل بين الايمان السطحي والاختبار المباشر للقاء الله ليقول "كنت قد سمعتك سمع الاذن، اما الان فعيني قد راتك". فايوب مع ثورته على نظرية اصدقائه اللاهوتية، كان سجينا لمثل تلك الاراء البدائية التي سمعها وتعلمها بالاذن. فهو ايضا يتوقع ان يكافئ الله امانته بالاستقرار في السعادة، وهو ايضا كان يفسر كل الم بانه نبذ من الله.
الان قد رأى الله وجها لوجه في لقاء كله مودة، ويحقق ويفوق ما كان يرجوه "ساعاين الله"(19: 26).
لم يتغير شئ في الظاهر، ايوب لم يبرح كومة الرماد الجالس عليها. لكنه الان يرى مكانه الحقيقي في العالم وفي خطة الله. سيستطيع الان ان يعرف ليس انه محدود فحسب بل ومذنب ايضا.
تعلم ايوب بعد عاصفة اسئلته ان يسمع اسئلة الله. يدرك اوب انه ليس له ان يحكم على قلب الله استنادا الى تقلبات قلب الانسان.
في التراب والرماد:
كان ايوب في اخر حديثه الكبير مع نفسه (31: 37) ينتظر الله وقدمه ثابتة "كانه رئيس"، اما الان فسيتواضع لكي يتقبله "ارجع عن كلامي واندم في التراب والرماد" قال ايوب "فلذلك" اي ان رؤيت لله قادته الى الندامة؟ علىى اي شئ يندم؟ من المؤكد انه لم يندم على ذنوب ارتكبها قبل محنته لان الله لا يتهمه ابدا باي شئ فيما يخص تلك الفترة. ولكنه شعر قبل قليل بكبرياء صعدت الى قلبه –هي والالم معا – وكنت راقدة فيه منذ الفترةة التي كانت تقواه لا تتميز عن سعادته. تلك خطية جديدة لانه ولد الان لبصيرته في نور الله ولكنها خطية جذورها ابعد من جميع الخطايا التي كان في وسعه ان يرتكبها، اذ انها خطية احتلال مكان الله.
دنا ايوب من الشجرة المحرمة وادعى لنفسه حق التشكيك في حكمة النواهي الالهية معلنا انه يمتلك قاعدة يجب على اختيارات الله ان تخضع لها. ليست هذه اول فقد سبق للانبياء مرات كثيرة ان لاموا البشر ووصفوهم بانهم "حكماء في اعين انفسهم"(اش5: 21 و 10: 13 و 19: 12 و 29: 14 و ار9: 22 وحز 28).
يبدو الرب في معظم حوار ناسيا مأساة ايوب يقلب كتاب صور العالم وهو يبرز في كل صفحة وجود فكره الخلاق في قلب المخلوقات. فهو في الواقع يهب لاعماله الكلام لكي يهدي الانسان من سرها الى سر الله.
ان الايمان بعدل الله الخالق والفادي يبينان سبب سكوت ايوب. يرى البار نفسه مدعوا للانحناء تحت يد القدير. ان الله بكشفه عن نفسه لايوب كشف لايوب نفسه هو، فرأى محدوديته وعجزه.
الخاتمة:
قد يشعر المرء بانه ينحدر من هذا الايمان الصرف الى مستوى المال والسعادة الحسية التي تتضاعف لايوب. يتوقع البعض انه حسن لهذه القصة ان تختم بجواب ايوب الذي يبدي فيه عجزه عن فهم اسرار الله. ولكن الخاتمة الحالية كانت ضرورية. لم يكن هناك مفر من ان يظهر ان الآم ايوب لم تقصد لذاتها، كانت الغاية كشف حرية الله وعلى الاخص الجزاء، كان لابد لرحمته ان تعلن، وان يشاد بها.
يمكن التمييز في الخاتمة الى جزئين:
الاول، حكم الله على الاصدقاء، والثاني، سعادة ايوب.
حكم الله:
لن يمكن لاصحاب ايوب ان يتباهوا ان سعادة ايوب وغناه عادا اليه لانه تاب، وبالتالي فه محقين في اتهامهم له. فالرب قال "اساء اصحاب ايوب الكلام عليه". وهم اذ فعلوا ذلك اهانوا الله فعلا حتىاضطرم غضبه عليهم (42: 7). في حين ان ايوب قال في اله كلاما صحيحا.
يجب على الاصحاب ان يقدموا تقدمة محرقة: سبعة عجول وسبعة كباش.
ويجب ان توجد شفاعة ايوب وبدونها لا تقبل الذبيحة (حز45: 23). ونجد مفارقات:
اتهم الاصحاب ايوب بقسوة القلب، وها هو يشفع فيهم.
نصحوه ان يصلي لاجل نفسه (5: 8 و 8: 5 و 11: 13 و 22: 27) فاذا به يتوسل لاجلهم. كانوا يعتبرون كلام ايوب "اقوالا عاصفة"(8: 2 و 15: 2) وهي التي ستنال الغفران. وهكذا اصبح لايوب عمل الشفاعة مثل ابراهيم موموسى وصموئيل وارميا.
ان زيارة الاخوة والاخوات (42: 11) تعود في الاصل الى المقدمة لان موضوع الكلام هنا هو الرثاء وتعود العبارة "اكلوا خبزا" الى عادات الحداد.