طرد الباعة من الهيكل
(مر11: 15-18)
في الغد رجع يسوع الى الهيكل
سوف ينفلت عن قريب مشهد فجائي في الساحة الكبيرة التي تمتد اكثر من 200 متر مربع وتحيط بقدس الاقداس. ان لم تكن هذه الساحة قدس الاقداس بالذات، الا انها حينذاك الهيكل، اي مكان الصلاة. يدخلونها من تسعة ابواب محصنة ومن ممرات جانبية. كانت مفتوحة للجميع، لكن في الداخل، يوجد فناء للنساء، واخر للرجال، واخيرا فناء ثالث لا يدخله الى الكهنة وفيه تقدم الذبائح حول المذبح الكبير.
دخل يسوع الساحة التي تحيط التي تحيط بها ممرات ذات اعمدة بصحبة تلاميذه والجمع، اتى ليرفع صلاته الى ابيه السماوي في هذا المكان المخصص للعبادة لجمع اليهود الساكنين في فلسطين والكشتتين في العالم.
ولكن اي مشهد يتراءى لعينيه؟ .. قد تحول الفناء الى سوق: يتزاحم فيه الناس وتتعالى الصيحات من الباعة والمشترين. تدخل اليه بغتة قطعان من الخراف. فتضرب الناس الحيوانات التي تتمدد على البلاط تعبة ظماى. يمتدح التجار سلعهم، جاثمين على اطداس من اقفاص الحمام: هم باعة حمام ويمام، يجتذبون الزبائن الشعبيين: الذين لا يقدرون على تقديم بهيمة او خروفا فكانوا يكتفون بذبح فرخي حمام – تحت صفوف الاعمدة. جلس على الارض اصحاب المصارف امام طاولات صغيرة تتكدس عليها اكوام عملات من ذهب وفضة ونحاس. واصحاب هذه العملات يتبادلون النقود بفائدة ليسهلوا التجارة ويسمحوا ليهود روما واليونان ومصر ان يقتنوا النقود المفروضة لدفع الفريضة المالية الدينية للهيكل. وينتهزون فرصة ان العملات الاجنبية لا تقبل في خزانة الهيكل لان الصور والكتابات التي عليها وثنية – يسود هنا هرج ومرج. والريفيون غارقون في الاوحال، ينصبّون في فيض من الثرثرة قبل ما يحلون صررهم. اما الاجانب فعندما يلاحظون ان الناس يستغلونهم، يهددون التجار الطماعين بتدخل شرطة الهيكل.
اين يجد المؤمن ركنا هادئا في غوغاء مثل هذه ليختلي بنفسه ويصلي بهدوء؟ وكيف يقدم للرب بقلب مسرور ذبائح مساوم فيها بهذا الحماس؟ .. ولكن كل واحد متعجل ليرى دوره قد اتي ليقدم للكاهن الذبيحة التي اختارها.
اما فناء المعبد – فكان الى حد بعيد يشابه المجزر، يسيل الدم فيه بغزارة. والمذبح الضخم يحرق في اليوم واحد مئات الذبائح. تعلو رائحة اللحم المشوي من هذا الاتون وتختلط برائحة الدم الساخن وبرائحة روث القطعان في الساحة الكبيرة – بين كل الكهنة الكثيرين يوجد حقا اشخاص متفانون في خدمة الله. هؤلاء يقومون بواجبهم بروحة دينية عميقة. لكن يوجد للاسف ايضا، خاصة ف طبقة الاشراف الدينيين العليا، المهتمون بتطديس الارباح اكثر من التحلي بمشاعر العبادة والندم الذي ترمز اليه هذه التقدمات.
على مراى من هذا السوق وهذه الضوضاء بدا قلب يسوع يخفق بسخط مقدس: ماذا؟ كل هذا الفساد في الهيكل! .. في بيت ابيه!.. يقوم بتدخل صاخب، على طريقة الانبياء القدامى، ليضع حدا لاستغلال هذا النفاق الشعبي.
تعثرت رجلاه في حبل بقر، فالتقطه وجعل منه سوطا وشرع في طرد البائعة صائحا:
"ابتعدوا اخرجوا من هنا. الا تهمكم كلمة الكتب المقدس؟..
فالله يقول "بيتي بيت الصلاة يدعى وانتم جعلتم منه وكر لصوص".