الخائن جالس على المائدة بين المدعوين
(يو13: 21-30 و مت26: 20-25)
كانت مقدمة وجبة الفصح لابد ان تنقضي في جو توتر وقلق تعبر عنه الحركات والتصرفات والاطعمة. فسلطة الاعشاب المرة، الممزوجة بالصلصة ذات اللون الاحمر، مخللة، وبكؤوس ماء مالح، كانت تذكر بالعبودية في مصر، والدموع التي ذرفها الشعب. في صمت خشوعي كان المدعوون يغمسون لقم في الصلصة ويمضغونها ببطء، متفكرين ومتالمين في ذكرى مرارة سنوات العبودية التي عاشوها في اشخاص اجدادهم الئين استعبدوا في مصر.
بدأ يسوع وكانه في حالة قلق.. تقلص وججه تحت تاثير حزن عميق. انه يفكر في الخائن.. خاصة وان وجوده هنا بجانبه قريبا منه سبب الما لا يطاق له. ولا يمكنه ان يمتنع عن القول باسف:
واسفاه ! الحق اقول لكم: ان واحدا منكك سيسلمني.. نعم اني اؤكد: ان واحدا منكم انتم الذين تاكلون معي، واحدا منكم الذي يتناول مثلي من الطعام على هذه المائدة (كل واحد ياخذ حصته من الطبق المشترك) .. لا اتكلم عليكم جميعا/ اني اعرفكم كلكم، ولكن ذلك ليتك ما في الكتب المقدسة "حتى الصديق الذي كنت اثق به والذي ياكل معي انقلب عليّ".
سقط اعلان مثل هذا كتعنيف ثلجي. فتوقف الجميع عن الاكل مذهولين: وعم الانهيار، استولى على التلاميذ حزن شديد وتبادلوا النظرات وتساءلوا:
"على من يتكلم؟ .. من هو المجرم الذي يجرؤ على هذا..؟
وتابع يسوع:
فان ابن الانسان ماض الى الموت كما هو مكتوب، ولكن كم هو مؤسف للذي يسلمه. فلو لم يولد لكان خيرا له".
لا يتمنى يسوع الشر فهو الذي طلب ان نحب اعداءنا يكشف بكابة عن الذي صمم على ان يسلمه ويوجه اليه دعوة اخيرة.
كما ان الاثنى عشر يعلمون ان كلمة من يسوع يقون فيها اكثر من اليقين الذين هم عليه من انفسهم. طرح كل واحد منهم السؤال على يسوع:
"امل الا اكون انا الذي تقصده بقولك".
ويهوذا يقول المثل لكي لا يفضح نفسه بسكوته. (ويا له من تصرف خسيس!.. وعليه يجيبه يسوع بصوت خافت برقة تامة حتى لا يسمعه الا هو:
"لم احملك على القول: انت الذي قلت".
ومع ذلك لا يزال جميعهم يحدقون بعضهم الى بعض بفزع: يوجد خائن بينهم!.. في فيض الاسئلة والاحتجاجات الساخطة، لم يتمكن بطرس ان يكشف الحقيقة. التي كان يرغب في معرفتها مهما كلفه الامر. لعل في امكانه ان يوقف المؤامرة قبل حدوثها . فاشار الى يوحنا "حاول ان تساله من يعني بقوله".
ويوحنا متمددا في الغالب بجانب يسوع الايمن، ليس عليه الا ان يميل برأسه على صدر يسوع ويحصل منه على سر. فتجاسر على طرح السؤال ليعرف السر:"يا يسوع قل لي من هو".
واستعد يسوع لان يبوح بالسر لتلميذه المحبوب، "هو الذي اناوله اللقمة التي اغمسها في الصلصة".
بحسب العادات الشرقيةاعتاد رئيس المائدة الذي يريد ان يكرم احد مدعويه، ان يغمس لقمة في الصلصة ويضعها في فمه. وبالنسبة ليهوذا كانت هذه الحركة حركة رقة شعور ودعوة اخيرة. ونفهم هنا قيمة كل انسان .. حتى يتجاوب يسوع هكذا معه الى اقصى حد ن الحب.
قبل يهوذا القمة، لكنه انطوى على نفسه في قلبه المظلم، بدا كفاح بين يسوع والشيطان بشان نفس ولكن يهوذا مخطئا في استعمال حريته يستسلم للايحاء الشيطاني. ويمكننا ان نقول انه في تلك اللحظة دخل الشيطان جديا في قلب يهوذا.
احس يسوع بنتيجة هذه الماساة. وكانت كلمته الاخيرة كلمة الصديق الذي امتلات نفسه بالاسى. فالتفت الى يهوذا "ارجوك! افعل ما قصدت ان تفعله ولا تبطئ".
فلم يفهم احد هذا التلميح ولا المقصود به. لان يهوذا كان مؤتمنا على صندوق المال، وقد يظن ان كل واحد منهم ان يسوع يرسله لدفع ثمن الوجبة او لاعطاء الفقراء شيئا. وكان من التقليد الا يحرم اي فقير في ذلك المساء من فرحة وجبة الفصح السنوية ولا من الاربعة كؤوس الخمر المعتادة.
خرج يهوذا من وقته .. راوه يفتح الباب .. ويتوارى في الظلام.