ضرب يوثام مثلا. وهو ان اشجار الغابة ارادت ان تقيم ملكا عليها، فغرضت الملك اولا على الزيتونة، فاستعفت وفي رفض الزيتونة للملك إيماء إلى رفض الصالحين إياه وترك الملك لله كما كان من جدعون.
فعرضت الملك على التينة فاستعفت ايضا، ومن خواص التين الغريبة إن ثمره يظهر قبل أوراقه فإذا ظهرت في شجرته الأوراق ولم تظهر الأثمار قُنط من إثمارها.
ثم عرضت الملك على الكرمة فاستعفت مثل سابقيها، ومن الغريب جعل الكرمة ثالثة مع أن حقها أن تكون الأولى فإن جمال العنب ولذته ومنافعه كثيرة. ولعل ذلك لأنها لا ترتفع بنفسها كالزيتون والتين بل تمتد على الأرض ما لم يُبن لها عريش أو يُنصب لها سنادة.
اخيرا، اذا لم تجد الاشحار من يوافق على العرض وقد يئست تماما عرضت الملك على ادنى الأشجار واحقرها وهو العوسج (نبات الشوك).
فقال العوسج للأشجار: إن كنتم بالحق تمسحونني عليكم ملكا فتعالوا واحتموا تحت ظلي. وإلأ فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان!. (القضاة ٩: ١٥)
قال العوسج هذا لشكه في أن الأشجار تختاره ملكاً مع ما هو عليه من القبح والدناءة. اسمعوه يقول "فَتَعَالُوا وَٱحْتَمُوا تَحْتَ ظِلِّي" إن الشوك والورق الحاد ظله كالعدم. قال يوثام هذا على سبيل الهزء والتهكم." وَإِلاَّ فَتَخْرُجَ نَارٌ مِنَ ٱلْعَوْسَجِ الخ" ما اكتفى العوسج بالطمع بالملك إذ عُرض عليهم والرغبة في أن يصير ملكاً فتهدد الأشجار بدلاً من الشكر لها على هذه الدعوة وهذا شأن الأدنياء اللؤماء. وما أحسن قول المتنبي هنا: ( إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا) والمراد أن للعوسج شوكاً تنتشر فيه النار سريعاً والناس يأخذونه وقوداً لسرعة اشتعاله وإذا اشتعل العوسج امتدت ناره وأحرقت ما جاوره من الأشجار إلى أن يحرق أدغالاً وآجاماً كثيرة وأرز لبنان العظيم. وهذا نهاية تمثيل يوثام.
===
نتعلم من المثل ثلاثة أمور:
١- إن الضعيف الدنيء الذي ليس بأهل للملك يرغب فيه كل الرغبة، وإن الحكيم القوي الفاضل الذي هو أهلٌ له يأباه.
٢- إن إكرام اللئيم يزيده لؤماً وتمرداً.
٣- إن من ملَّك من ليس أهلاً للملك أضرّ بنفسه وبسائر شعبه.