يأتي المتشائم ويرسم مدينة الله في اضيق الحدود، ويبرر تصوراته باقتباس الاية "لا تخف ايها القطيع الصغير"(لو12: 32) او هذه الاية "ما اضيق الباب واكرب الطريق الذي يؤدي الى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه"(مت7: 14). بل انه في بعض الاحيان يخشى هو نفسه الا يدخل ، وفي بعض الاحيان الاخرى يشك في دخول اي شخص اخر سواه.
ويأتي المتعصب لمذهبه او كنيسته بحبل القياس في يده ويقول لا خلاص لاي شخص خارج كنيستي مهما سمت حياته ومهما قام بخدمات جليلة في سبيل نشر الانجيل حتى لو ضحى بحياته في هذا السبيل.
قد تنشأ هذه الافكار السقيمة اما عن عدم الخبرة بأعمال الله العظيمة او عن مرارة في النفس كما كان الحال مع ايليا الذي توهم انه وحده يعبد الله، فقال للرب "بني اسرائيل هدموا مذابحك وقتلوا انبياؤك بالسيف وبقيت انا وحدي اعبدك". ولكن الله يجيبه"لقد ابقيت لنفسي 7 الاف ركبة لم تجثو لبعل"
ويرفض من يتبع منهج "الشك" ان يعتبر اي شخص ضمن مدينة الله ما لم يكن مثله قد اجتاز نفس الشكوك ونفس الفرح ورسائل التعزية. انه لا يحصي في مدينة الله اي شخص الا اذا كان قد سلك خطوات معينة في الحياة الروحية.
اما صاحب نظرية الخلاص العام فانه يشتط الى النقيض ويبني اسواره حول كل البشرية ويحصي في داخلها كل عضو في الجنس البشري.
انه ليس من اختصاصنا ان نحدد حدود مدينة الله . هذه اسرار ملكوت الله، انها تتعلق بالرب الهنا وهو وحده يعلمها، هو وحده يستطيع ان يرى السبعة الاف ركبة التي لم تجث للبعل ولم تقبل تمثاله.
لقد سأل الرسل مرة الرب يسوع: "اقليل هم الذين يخلصون؟ فكانت اجابته : اجتهدوا (انتم) ان تدخلوا"(لو13: 23و 24)، وكأنه قد قال لهم لا تشغلوا انفسكم بالعدد، ان كانوا قليلين او كثيرين. انه ليس اختصاصنا ان نقيس مدينة الله، بل ان نكون متيقنين من اننا قد دخلناها. ولاحظوا معي انني اقول "اننا قد دخلنا وليس اننا سوف ندخلها" لأنه كما قال السيد المسيح "ملكوت الله داخلكم" اي انه يبدأ هنا على الارض، ومعناه ببساطة، ان ندع الفرصة لأن يملك الله على حياتنا.
في العهد القديم رأى زكريا النبي ملاك الرب معه اداة القياس فسأله: "الى اين انت ذاهب؟" وكانت الاجابة التي تلقاها "لأقيس اورشليم لأرى كم عرضها وكم طولها؟" وربما خطر في بال النبي "ان المدينة لن تتخطى هذه الحدود التي يقيسها مهما نمت واتسعت" وهذا ما نميل نحن اليه ايضا، فاننا جميعا نميل الى وضع حدودا لا تساع مدينة الله، حدودا لم يضعها الله. ولكن تأتي الاجابة في الحال: "كالاعراء (مناطق شاسعة بدون اسوار) تسكن اورشليم من كثرة الناس والبهائم فيها"،
انه امر عديم الجدوى ان تحدد للمدينة حدودا لانه كان معينا لها ان تزيد على كل كل حدود عادية وتتسع اتساعا هائلا بحيث يتعذر اقامة اي سور حولها. هكذا سيكون الحال مع المخلصين. نعم، انه لا يجوز لنا ان نحصي ضمن عددهم اي واحد ممن لا يطيعون انجيل الله ولا من احبوا الظلمة اكثر من النور، لكن بخلاف هؤلاء سوف يكون هناك جمهور لا يستطيع احد ان يعدهم من كل امة وقبيلة وشعب ولسان.
