"أكل الغرباء ثروته وهو لا يعرف، وقد رش عليه الشيب وهو لا يعرف.. (هوشع ٧: ٩).
فقدت إسرائيل (افرايم) قوتها الروحية وهي لا تدري أن العالم قد أكل قوتها.«.. وقد رُشّ عليه الشيب وهو لا يعرف» إن رش الشيب على الشعر علامة ضياع القوة وظهور الوهن والضعف والانحلال. وقد تكررت كلمة «لا يعرف» مرتين المرة الأولى في القول «أكل الغرباء ثروته (قوته) وهو لا يعرف» والمرة الثانية في القول «وقد رُشّ عليه الشيب وهو لا يعرف» إن خطورة حالة أفرايم في هذه الكلمة «لا يعرف» إنها أقسى حالة يمكن أن تصل إليها أمة أو يصل إليها فرد في طريق الضلال. فالغرباء الذين اختلط بهم أفرايم التهموا قوته وهو لا يعرف. لم يلاحظ علاقة انحطاطه القومي السريع. فكون الشيب قد رش عليه وهو لا يعرف هذا شئ خلاف الطبيعة لكنه تصوير صحيح للذين لا يكتشفون في نفوسهم مظاهر الانحلال والتدهور التي يلاحظها الآخرين. وهكذا يسيرون في طريقهم وقواهم الروحية تذبل شيئاً فشيئاً دون أن يدروا أو يعرفوا. وهناك موقف في الكتاب يوضح لنا هذه الحقيقة وهو موقف شمشون الذي يقال عنه «ولم يعلم أن الرب قد فارقه» (قض 16: 20) لقد اختبر شمشون في المرات السابقة ولكن قد فارقه الرب باستهتاره وهو لا يعلم. وهذا يذكرنا بما جاء في نبوة ملاخي التي توضح لنا حالة الانحلال الروحي الذي لا يشعر به صاحبه فيوجه الرب بعض الأسئلة للشعب التي توضح حالة ضعفهم وانحلالهم الروحي وهم لا يدرون ففي إجاباتهم نستدل على عدم معرفتهم بكلمة «بم» فيقول الرب لهم «أحببتكم، قال الرب» ويجاوبونه «بم أحببتنا؟» (1: 2) مع أن محبته واضحة لهم كل الوضوح. ثم يقول لهم «أيها الكهنة المحتقرون اسمي» ويجاوبونه بالقول «بم احتقرنا اسمك؟» (1: 6) مع أن احتقارهم واضح كل الوضوح. وهم يقربون النجس على مذبحه ويقولون «بم نجسناك؟» (1: 7). لقد أتعبوا الرب بكلامهم وقالوا «بم أتعبناه؟» (2: 17). وسلبوا الله ويقولون «بم سلبناك؟» (3: 8). وأقوالهم اشتدت على الرب وقالوا «ماذا قلنا عليك؟» (3: 13). إن الرب وحده قادر أن يزيل مظاهر الشيب من حياتنا الروحية بإزالة العوامل الهدامة التي تخرب قوانا الروحية وتهد كياننا الروحي وذلك بمعرفتنا لحقيقة ذواتنا وما وصلنا إليه.ويجب ان نميز بين المعرفة التي يمنحها الله، والمعرفة التي هي بحسب العالم. يصلي الرسول من اجل مؤمني افسس "مستنيرة عيون أذهانكم، لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين،. (أفسس ١: ١٨).
في حين كانت هناك بدعة في القرنين الاول والثاني، اعتبرت الخلاص يتم بالمعرفة. كانت تلك البدعة هي الغنوسية وهي تعني المعرفة باليونانية.
يطلب ايضا الرسول من اجل مؤمني كولوسي ان ينالوا المعرفة ".. لم نزل مصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من معرفة مشيئته، في كل حكمة وفهم روحي. (كولوسي ١: ٩).
ويصل الامر الى ان الرسول بوبخ العبرانيين على مستواهم المعرفي الضعيف "لأنكم إذ كان ينبغي أن تكونوا معلمين لسبب طول الزمان تحتاجون أن يعلمكم أحد ما هي أركان بداءة أقوال الله، وصرتم محتاجين إلى اللبن، لا إلى طعام قوي.. (العبرانيين ٥: ١٢).
ويلفت الرسول يوحنا انظار المؤمنين الى الروح القدس كمصدر للمعرفة "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذبا. كما علمتكم تثبتون فيه.. (١ يوحنا ٢: ٢٧).
فالروح القدس هو روح المعرفة "ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب.. (إشعياء ١١: ٢).