الجمعة، 28 ديسمبر 2018

يسوع ام باراباس؟


باراباس ام يسوع؟
عشية عيد الفصح، الذي كان العيد الوطني الكبير لذكرى التحرر من العبودية في مصر. وهذا يعني العبور من العبودية الى الحياة الحرة. بمناسبة هذا العيد ، كم كان يظهر ثقيلا نير الرومان المحتلين! 
كانت العادة ان يحضر الشعب امام مقر الحاكم ليستمع الى خطبة بمناسبة العيد وخاصة ليحصل على انعام هو اطلاق سجين سياسي. وكانت حركة الترفيه ذه تقلل بغض اليهود على سلطات الاحتلال.
اتوا يبلغون بيلاطس ان الجمهور بدا يتجمع في الساحة الصغيرة امام القصر..
ان اغلبية الناس الموجودين هنا وصلت باكرا .. وهذه الاغلبية تتكون خاصة من مناهضين طائفة الغيورين .
التقوا بقصد اطلاق احد رجالهم : شخص ما يدعى باراباس، رئيس عصابة، اعتقل خلال فتنة واقترف عدد لا باس به من الجرائم، بالنسبة الى هؤلاء هو زعيم .. اما يسوع فمعروف انه صديق الفقراء نبي بليغ ومسالم. هل يمكنهم ان يصلوا معه الى نتيجة في كفاحهم ضد الاحتلال؟ .. 
في الصفوف الاولى كان مندوبو مجلس اليهود يتحركون ويضطربون. انهم مصممون على التخلص من يسوع فيهبجون الجمع:
اصرخوا باراباس!
يصعدون على اكتاف بعضهم بعضا ليلقنوا الشعب واجبه. 

ظل باراباس مذهولا.   
الموقد الناري تنتشر اواره في بضع ثوان.. قد قرروا. الاصوات لصالح باراباس فازت في الضوضاء:
"باراباس!.. اطلق لنا باراباس!..".
ظل باراباس مذهولا. كان بيلاطس يأمل غير ذلك. ببادرة يطلب الصمت. يتعنت. تدفعه كبرياؤه.. ليس انه يقدّر يسوع، لعل تقديره له بسيط.. ولكنه يزعجه ان يفشل في هذه المسألة. فصرخ واستشاط غضبا: ".. لا يمكنني مع كل ذلك تجريم برئ"
ثم ترك الجمهور في الساحة ورجع الى القصر وتوجه نحو هيئة الحرس.. هناك انتهت مسرحية التسلية فورا.. ولكنه لم يكن قد وجدها غير لائقة تماما. لانه يعتبر هذه المعاملة القاسية ازاء سجين يهودي شئ عادي. اكثر من ذلك، ان مظهر المتهم الذي يرثى له قد يساعد على استعطاف هؤلاء المتنمرين. وامر ان يخرجوا المسمى باراباس من سجنه وظهر ثانية على السلم الخارجي ليعلن حضور المتهمين:
"ساتيكم بالمعتقلين.. فيمكنكم ان تختاروا مباشرة".
بالقرب من قاطع الطريق باراباس ظهر يسوع امام الجميع باكليل الشوك على راسه ومعطف ارجواني على كتفيه "ها هوذا الرجل" .. قال بيلاطس وهو يقدمه الى الجمع.
هو على حق. هو حقا الرجل المعنى به، ولابد من كتابة كلمة "الرجل" بحروف كبيرة.. الرجل في شقائه، ولكنه ايضا في كرامة، كرامة الخليقة العاقلة وابن الله.. كرامة غالبا ما يسخر بها، ولابد للانسان من ان يستمر يكافح من اجلها ابدا.
يمكننا ان نظن، لشرف البشرية وطائفة اليهود، ان بعض ايادي قد ارتفعت لصالح يسوع. ولكن مندوبي مجلس اليهود ومءؤيدي العنف يتحركون، لانه لا يجوز في نظرهم ان يترك للجميع وقت للاستعطاف. فاخذوا يفسرون حولهم كيف ان الحاكم اعد كل هذه التمثيلية حتى لا يطلق باراباس. وبما انه من المحال ان نحصل على اطلاق الاثنين معا، فبئس الام من اجل يسوع.
وعليه شرع الجمع يطلق صوته:
"يسوع.. ليصلب! هو ، يمكنك ان تصلبه"
كان عقاب الصلب عند الرومان الطريقة العادية لاعدام المجرمين والمحكوم عليهم لجنايات سياسية.
فقد بيلاطس رباطة جأشه فصاح:
"اذن خذوه انتم واصلبوه. "
**
عندما يكشف المتامرون عن نواياهم ويمارسون ضغطا سياسيا:


ادرك مندوبو مجلس اليهود ان بيلاطس فضح مؤامرتهم وكشف لعبتهم. سوف يتصرفون اذن بطريقة مختلفة.
اذا كانوا هنا امام بيلاطس، فلكي يلتزموا بحدود القانون، بمان الرومان سحبوا منهم الحق بالاعدام او بالاحرى تنفيذه. ولكن قد عين بيلاطس بسلطة روما لكي يعمل على احترام ديانتهم. والحقيقة ان يسوع عاص في ما يتعلق بلديانة، وفي هذا الامر هم مختصون، وما على بيلاطس سوى التصديق على قرارهم.
فاعلنوا له رسميا هذا التصريح:
"ان لنا شريعة وهذه الشريعة تقضي عليه بالموت لزعمه انه ابن الله".
يكشف المتامرون عن نواياهم: يقرون بالسبب السري: يتعلق الامر بمسالة دينية. ويرى بيلاطس نفسه امام هوجة من التعصب الديني، وهنا يشعر بانه منزوع السلاح.
لكن الضوضاء تزيد خارجا وتكاد تتحول الى فتنة. يضرب الجميع الارض بارجلهم وقد عيل صبرهم. يريدون حكما فوريا.
يظهر بيلاطس ثانية في الشرفة.. ويسمع في الصفوف الاولى اصوات مندوبي مجلس اليهود اللاذعة تعلو:
"احذر يا بيلاطس، انك تضع نفسك في وقف مؤسف. ان اخليت سبيل هذا الشخص فلست صديقا لقيصر.. ان لم تعاقبه تقصر في اول واجبات وظيفتك".
يفهم الحاكم هذا التهديد.
امر بيلاطس ان يحضروا "محكمته" وهي ليست الا مقعدا للقضي. فجلس عليه بيلاطس في موضع يسمى البلاط (يدعى بالعبرانية جباثا) وامر باحضار يسوع.
للمرة الاخيرة يظهر بيلاطس استياءه. وليثير غضب اليهود قال وهو يشير الى يسوع "اذن اهو ملككم لذي يجب ان اصلبه؟".
بقوله هذا ارتكب اسوأ عمل في نظرهم! ..
يصرخ الجميع: "انزعه من هنا! .. لا نريد ان نراه.. الى الموت.. اصلبه" بينما مندوبو مجلس اليهود ينطقون بهذا التصريح الرسمي: "لا ملك لنا الا قيصر".
يريد ان يخرج بيلاطس بشرفه من هذه المواجهة لذا امر باحضار طست وابريق ماء.
"لا اريد ان اغمس يدي في دم هذا البرئ: تتحملون انتم هذه المسئولية".
لا يقلل جبنه من مسؤليته.. ولكن اذا كن لا يريد ان ياخذ على عاتقه الحكم على يسوع، ما الجدوى من ذلك؟ .. اخذ رجل يصيح وردد الجميع وراءه:
"دمه علينا وعلى اولادنا".
انها عبارة مقررة كان يستعملها شهود الاثبات في الدعاوى ومعناها لينتقم الله منا ومن عائلاتنا اذا كنا كاذبين".
"وعليه قام بيلاطس وبجدية تامة، ووجه ليسوع الحكم الرسمي".
"سوف تصلب!"
في اسفل الدرج ينتظر كاتب المحكمة:
"يا سيد، ماذا علىّ ان اكتب كسبب الحكم؟"
"اكتب: يسوع الناصري ملك اليهود!"
ختم بيلاطس في تلك الساعة بلا قصد، اعظم دعوى في تاريخ البشرية بأسرها. وحتى اخر الازمنة، سوف يتقيد اسم بيلاطس بصورة "الجبان الذي غسل يديه". سوف يردد مليارات من البشر من كل البلاد ومن كل الاجنس، في قانون ايمانهم "تألم يسوع ومات بامر بيلاطس".
**
الجلد بالسوط
اول عمل تعذيب قبل الاعدام عند الرومان كان الجلد بالسوط. وكان هدفه الاساسي ان يقصّر مدة احتضار المحكوم عليه بالصلب.
لم يكن الرومان – الجلادون متميزين برقة النفس – بل كاننوا ميالين الى اختصار مدة عملهم. وكان يحدث ان يموت المسكين تحت التعذيب.
ان تعذيب السوط كان مرعبا. كانوا ياخذون المحكوم عليه/ يعرونه ويربكونه الى عمود او يقيدون معصمه الى عمود منخفض ليجبروه على ان يشد ظهره. لكي يكون منحنى الظهر، توجه اليه الضربات بسهولة. وكانت السياط مكونة من سيور جلدية تتخللها كرات معدنية او كلاليب.
فبالضربات الاولى تتكدس الدماء تحت الجلد في صورة كدمات تنشق بالضربات التالية. فكان كل لحم الجسد يصبح مكدوما والعظام مكشوفة. فيتلوى المحكوم عليه ويطلق صرخات مريرة قبل ان ينهار الى اسفل العمود يفطر دما.
ان انظار جنود الحامية تبرق فرحا وسعادة لسماع احد هؤلاء اليهود الممقوتين يصيح من الالم. كان يسوع يقاسي تعذيب السوط ذي السيور المحلقة ويسمعهم يثيرون يعضهم: "هيا!.. عليك الدور!.. احسنت يا رفيق!.. اه اصبت..". حتى انهم يتعبون وتكل معاصمهم فيتوقفون عن الجلد ليمسحوا عرق جبينهم بظهر ايديهم..
ولكنهم لم ينجحوا في ان ينتزعوا من يسوع هذه الصرخات التي اعتادوا سماعها. هذا المحكوم لم يصرخ "العفو!.. رحماكم!" ومع ذلك يا له من عذاب تحمله.
ان البشر في ضراوتهم لكي يفنوا بعضهم بعضا اخترعوا العذابات المبرحة للغاية. وحالة السقوط التي يحطون بها من قيمة اخواانهم هي امبر شهادة دامغة على وجود روح الشر، اي ابليس. ان معسكرات الاعتقال والتعذيب سوف يظل ذكراها لعار على البشرية.
اراد يسوع ان يتحمل عذاب السوط حتى يحصل بالامه على غفران هذه الجرائم ويجعلنا نفهم انه تحمل كل هذه الالام الرهيبة نيابة عنا ومن اجل مغفرة خطايانا.
على الطريق الى الجلجثة
في شوارع اورشليم، عشية الفصح، سار ثلاثة محكوم عليهم، حاملين صلبانهم، نحو مكان الاعدام. اثنان قاطعا طريق ويسوع.
الساعة حوالي الواحدة بعد الظهر. تحت قيادة فصيلة جنود يرأسها قائد مئة يتقدم المحكوم عليهم بالاعدام منحنين تحت ثقل عارضة خشبية محملة على اكتافهم وموثقة باذرعهم المنبسطة. كما يقضي قانون العقوبات على كل محكوم عليه ان يحمل الة تعذيبه الى مكان الاعدام".