الجمعة، 28 ديسمبر 2018

حظيرة – مغارة الميلاد


حظيرة – مغارة الميلاد:
مضت خمسة او ستة اشهر على حلم يوسف بشأن يسوع. وها هو مناد يجمع في ساحة القرية كل سكان ليعلمهم ان امبراطور روما، اغسطس قيصر، امر باحصاء سكان امبراطوريته الواسعة.
في ذلك العصر كانت فلسكين قسما من اقليم سوريا وكان كرينيوس حاكمها العام. حوالي خمسين عاما قبل ذلك كان القائد بومبيوس قد استولى على اورشليم ومنذ ذلك كانت المدينة تنوء تحت الاحتلال الروماني. ولكن روما تركت حكمها لهيرودس رغم انه لم يكن من نسل يهودي اصيل، ولكنه كان صديق القيصر، لبقا وسياسيا حاذقا.
واوضح المنادي:
"على كل رجل ان يذهب ليسجل اسمه امام دوائر الاحوال المدنية في بلد مسقط راسه. وتسهيلا لهذا الاجراء، كان المسئولون يمرون في كل مدينة وقرية ليتحققوا من سلامة السجلات المدنية المضبوطة تاريخيا بدقة، والتي كانت تدوّن بالتفصيل شجرة نسب كل اسرة فكان لزاما ان يرجع كل شخص في اليوم المحدد الى مسقط راسه.
يرجع اسم بيت لحم الى اراضيها التي تعطي محصولا وفيرا من القمح ومعنى الاسم "بيت الخبز". وكان رعاتها يقودون قطعانهم في الشتاء الى المرتفعات التي تكسوها الاشجار وبها ايضا عيون ماء عذبة.
عند وصوله اليها/ يمكننا ان نتخيل بسهولة ما يقال:
"قفوا في صفوف الانتظار" يصيح المشرفون على النظام من رجال الشرطة.. احترسوا فكل بيانات خاطئة يعاقب عليها بصرامة.
"يفور دمي في عروفي" يصرّح رجل في عنفوان الشباب.. انا من نسل داود الملك، والان اجدني مضطرا ان اقدم بيانا لهؤلاء الرومانيين الاجلاف..
مهلا، ان سلطتهم لن تدوم" يجيبه اخر. بينما يؤكد الناس ظهور نجم للغاية .. لعله نجم المسيح.. لقد كملت الازمنة.. تذكر نبوة بلعام العراف: "سيبرز مومب من يعقوب يهلك كل بنى الوغي"(عد24: 17).
بعد اتمام الاجراءات يذهب يوسف الى بيت اسرته:
ليكن الله مؤيدا لكم يا اخوتي!
يا يوسف ! اهلا وسهلا بك.. يا له من فرح ان نراك!
اقدم لكم مريم/ قرينتي.. مثلما ترون: انها تنتظر طفلا في هذه الايام.. اين يمكننا نجد مكانا مناسبا للولادة؟
للاسف المنزل يغص بالاهل والاصدقاء اتين للاحصاء. ولا يوجد مكان في غرفة الضيوف.
يا يوسف تقبل نصيحتي.. اذهب الى الحظيرة. سيكون فيها دفئ في جوار البهائم. عندما يكون الطقس باردا اعتدنا ان نذهب الى هناك للنوم.
فكرتك حسنة.. وسنكون في هدوء هناك.
هذه الفكرة لا تدهش احدا في بلد وفي عصر اعتاد فيهما اهل القرى ان يناموا في الحظائر بقرب الحيوانات الاليفة خاصة في الشتاء. واغلب حظائر بيت لحم كانت مهياة في مغارات موجودة بكثرة في منحدر التلال.
وها هي مريم/ في ليلة من الليالي، تلد ابنها في حظيرة (مغارة).
بعد قليل سمع وطء اقدام، ثم اصوات ونباح، علت الدهشة وجه كل من مريم ويوسف حين تقدم رعاة الى داخل المغارة ليروا الطفل.
كانوا ساهرين هذه الليلة يحرسون قطعانهم في مراعي تلال بيت لحم. لانها كانت العادة ان يتركوا الخراف في الهواء الكلق اذا كان الطقس محتملا. ولكن لابد من الحراسة بسبب وجود الحيوانات الضارية: فالذئاب وبنات اوى تحوم في الليل. فيتناوب الرعاة الحراسة، مع كلابهم/ بشعلون نارا للتدفئة وحتى يرفهوا عن انفسهم يغنون ويزمرون.
ولكنهم راوا بغتة السماء مشرقة برونق غير مالوف.. واتتهم رؤيا..
قال ملاك:
اني ات لاعلن لكم اعظم خبر من اخبار كل الازمنة. ان المخلص/ اعني المسيح المنتظر، قد ولد هذه الليلة في بيتت لحم. واليكم هذه العلامة. تجدون مضجعا في مزود داخل حظيرة.
فقال الرعاة لبعضهم:
هلم بنا نسرع لنرى هذا الطفل القدوس.
ها هي مراسم كاملة تقام لاستقبال مولده في السماء بمشاركة جوقات الملائكة.. تماما مثلما يستدل على حضور الملاك حضور وزراءه وحاشيته.
اسرع الرعاة الى حظيرة المغارة حبث اجتمع الاهل واصدقاء الاسرة الذين بذلوا قصارى عنايتهم للوالدة الجديدة. في شبه الظلام يتقدم الرعاة بحذر، وتحت انارة قناديل الزيت يتطلعون الى الام الشابة التي تبتسم لمولودها الراقد في المزود. رق قلبهم للفكرة ان هذا الطفل النحيل، الذي لا يكاد يفتح عينيه والذي يشبه كل المولودين حديثا، هو الذي ينتظره الشعب انتظارا محموما من اجيال. وانوا العذراء بلبن وجبن وصوف نتاج غنمهم. وقد يطلبون ان يحملوه على اذرعهم كما يحملون حملانهم الصغيرة. كانت مريم سعيدة عندما سمعتهم يروون كيف ان السماء كانت في فرح اثناء هذه الليلة العجيبة.
بعد قليل طلع الفجر. عندئذ ذهب الرعاة ودخلوا مدينة بيت لحم الصغيرة وحكوا عن احداث ليلتهم ولادة المسيا المنتظر. وكل الذين سمعوهم تساءلوا في دهشة: ماذا؟ هل المسيح يولد في حظيرة، واثناء سفر، هل هذا ممكن؟ اليس هذا عجيبا؟
ومريم تحتفظ بكل ذلك في ذاكرتها، سوف تتحدث عنه فيما بعد. ان الحدث الذي جرى في تلك الليلة يبدو بسيطا الا انه يقسم كل تاريخ البشرية الى قسمين. فمنذ الان سيقال: "قبل الميلاد" لكل ما حصل قبله/ ويقال "بعد الميلاد" لكل ما سيحصل بعده. لان الله، في هذا المولود حديثا/ حقق حلوله وسط البشر "الله معنا".
بعد هذه الليلة بثمانية ايام/ اقيم الحفل العائلي لختان الطفل، وبهذه المناسبة/ يعطيه يوسف الاسم المتفق عليه مسبقا، "يسوع" الذي يعني "الله يخلص".
لاسباب صحية في تلك البلاد/ حيث العناية بالنظافة كانت قليلة لقلة الماء/ وحيث كانت العدوى سريعة/ اعتاد العرب والمصريون واليهود، ان يمارسوا الختان لصغار الاولاد. ولكن، عند اليهود، منذ جدهم الاكبر ابراهيم كان هذا القطع الصغير من جلد القلفة، الذي يسيل منه قليل من الدم/ الطريقة الني تدل على ان هذا الطفل المولود حديثا عضو من افراد الشعب/ شعب اختاره الله لرسالة دينية عظيمة. وكان الشعب يرى الختان عهدا مع الله مطبوعا في الجلد ذاته. فكانت العادة ان يعطى خلال هذا الاحتفال الرسمي، الولد اسمه.