عليك في هذه الحياة إن تميت بالروح ، كلًّ يوم ، تصرفات الجسد ، ضبطاً وقهراً وإفناءً ؛ ذاك ما يجب أن تهتم به وتسعي إليه ، يتطلع الله إليك في جهدك هذا . فأطلب مساعدته حين تتألم.
وإن لم يساعدك فلستُ أقول أنك تنتصر ، بل لن تستطيع أن تجاهد . إن كنت حقاً للمسيح تلميذاً فأصلب جسدك مع شهواته وميوله.
في الواقع . عليك أن تظلّ فوق هذا الصليب حياتك كلها ، لنه لا مجال لنزع المسامير في هذه الحياة التي قيل عنها في المزمور (اللهم ثبت جسدي بالمسامير في مخافتك"مزمور130:118").
للجسد ميول لحمية والمسامير وصايا عدلك ، ومخافة الرب التي رفعتك على الصليب وجعلتك قرباناً مقبولاً لديه قد ثبَّتت الجسد بالمسامير . أصلب الإنسان العتيق:(لا بالقصوف والسكر والمضاجع والعهر والخصام والحسد بل ألبس الرب يسوع ولا تهتم بجسدك لقضاء شهواته"رومية13:13-14").
وعلى هذا النحو عشْ دوماً ها هنا ؛ وإن لم ترد أن تغوص في وحل الأرض فلا تنزل عن الصليب . أراك أحياناً تقرع صدرك . فأطرد منه الخطيئة ، لأن من قرع صدره وارتكب الخطيئة عينها عَملَ حتماً على ترسيخ الخطيئة الخفية بضربة ظاهرة.
أصنع ندامة ، أي ثر على ذاتك بسبب خطاياك الماضية وكفّ عن ارتكاب خطايا جديدة.
أصنعْ ندامة ، أي ثر على ذاتك طال ما أنت معافى لأنك إن صنعت ندامة حقيقة وحلَّ الأجل فسوف تتصالح سريعاً . إن فعلت هكذا كنت بلا خوف . وتطمئن لأنك ندمت في زمن كان يسعك أن تخطأ فيه.
أما إذا شئت أن تصنع ندامة حين يستحيل عليك أن تخطأ فلستَ أنت بالمتخلي عن الخطيئة بل هي التي تخلي عنك . أنتظر ساعة الموت للمصالحة؟
لقد خبرنا أن الكثيرين ماتوا وهم يترقبون ساعة المصالحة.
التوبة عن خطاياك تصيرك أفضل مما كنت فيه حقاً ، ولكن لا فائدة من توبة إلاّ إذا قمت بأعمال رحمة. أصغ :(يا أولاد الأفاعي من علَّمكم أن تهربوا من الغضب الآتي ، إلا أثمروا ثمراً جديراً بالتوبة ، فكل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقي في النار)"لوقا9،7:3").
إذا لم تثمر تلك الثمار الطيبة فباطلاً تفكّر بالحصول على مغفرة خطاياك بتوبة عقيمة.
ما هي تلك الثمار؟ إسمع يوحنا:(ومن كان لديه ثوبان فليقسمهما بينه وبين من لا ثوب له. ومن كان لديه طعام فليعمل كذلك).
هل تريد كلاماً أكثر وضوحاً وصراحة وتأكيداً من هذا الكلام؟
وهل هو مخالف لما قال آنفاً:(فكل شجرة لا تثمر ثمراً طيباً تقطع وتلقي في النار) وهل هو مخالف لقضائه على الذين هم عن الشمال:(اذهبوا إلي نار الأبد ، لأني جعت ولم تطعموني"متى35:25:). قليل على الإنسان أن يبتعد عن الخطيئة إذا أهمل الخطايا السالفة .وفقاً لما كتب: يا بني إن خطئت فلا تزد على خطاياك ولا تظنن نفسك في حمى من الخطيئة متى اتخذت هذا الموقف والنبي يقول:(استغفر عمّا سلف من الخطأ ليترك لك"بن سيراخ1:21").
وأيَّ نفع لك من الاستغفار إذا لم تستعد لأن يُستجاب لك بفضل ثمارك الجديرة بالتوبة إن كنت نظير شجرة عقيمة قطعتَ وألقيتَ في النار؟
وإن شئت أن تستجاب صلاتك فاغفر يغفر لك وأعط تعطَ.
إنكم تطالع في الكتب المقدسة إن :(الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكّفر الخطايا"ابن سيرخ33:3")
وطالع أيضاً:(خبّئ الصدقة في قلب الفقير وهي تتوسل إلي الرب وهي تتوسل إلي الرب من أجلك) كما وأنك تقرأ أيضاً:(أيها الملك فلتحسن مشورتي لديك وافتد خطاياك بالصدقة"دانيال24:4").
وهناك دروس أخري كثيرة في كلام الرب تبين لنا قدرة الصدقة على إطفاء الآثام ومحوها ، وبالتالي فإنه تعالي يرسل الناس إلي الهلاك أو المجد بنسبة ما يكونون قد تصدقوا به أم لا ، وكأني به يقول لهؤلاء:(إنه لمن الصعب علىَّ إن أنا امتحنتكم ومحصتكم وتفحصت ملياً أعمالكم إن لا أجد فيكم ما أدينكم به . لكن ، اذهبوا إلي ملكوتي لأني جعت وأطعمتموني ، أنكم تذهبون إلي ملكوتي لا لأنكم لم تخطأوا بل لأنكم افتديتم خطاياكم بصدقاتكم).
ثم يتوجه إلي الآخرين قائلاً لهم:(اذهبوا إلي نار الأبد المعدّة للشيطان وملائكته).
وإذ يعرفون أنفسهم خطاة يرتعدون ، متأملين في خطاياهم ، لكن ، بعد فوات الأوان . وهل يجرؤون أن يقولوا إنهم يدانون ظلماً حين يسمعون الحكم الصادر عليهم من فم ديان عادل؟
وحين يشعرون بوخز ضمائرهم ، ويرون كل ما في نفوسهم من جراح ، أيجرؤون أن يقولوا:لقد حوكمنا ظلماً؟
سوف يدركون ، ولا ريب ، إنهم شجبوا بعدل بسبب ذنوبهم وآثامهم ، بيد أن القاضي سوف يقول لهم(كلا .كلا لا تظنوا إنكم تدانون على هذه الخطايا . بل لأني جعتُ ولم تطعموني).
لم ملتم عن خطاياكم وتبتم إليّ وافتديتم جميع آثامكم بالصدقات لكنتم تحررتم بها ونجوتم بواسطتها من تهمة خطاياكم الفظيعة ، لأنه قيل:(طوبى للرحماء فإنهم يرحمون"7:5"). (والآن اذهبوا إلي نار الأبد لأن الدينونة بلا رحمة تكون على من لا يصنع رحمة"يعقوب13:2").