الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

في أنه لا يجوز التفريط بصبر الله


  لا يظنن أحد أن رحمة الله تترك الذنب بلا عقاب لأن الله عادل ، وليس واحد ممّن صلح سلوكهم يخاف قضاء الله لأن رحمته سابقة له.
غالباً ما ينقاد الناس وراء الرحمة في أحكامهم فتسيطر وحدها عليهم دون العدل ؛ ثم يفقدونها أحياناً حفاظاً على صرامة أحكامهم . أما الله فلا يفقد صرامة حكمه في طيبه رحمته ولا طيبة رحمته في صرامة حكمه.
حين تري الأبرار والأشرار على السواء يتمتعون بنور الشمس عينه ويستقون من الينابيع ذاتها ويثرون بفضل الأمطار عينها ويقتاتون من ثمار الأرض عينها ويستنشقون الهواء عينه ويمتلكون على السواء ، خيور العالم فلا تقل أن الله ظالم ، لأنه يهب الأبرار والأشرار على السواء.
زمننا هو زمن رحمة ، وليس زمن قضاء ، ولولا رحمة الله الآن لما استحق إنسان يوم الدين أجراً.
الزمن زمن رحمة ، إذا أدت بك رحمة الله إلي التوبة ، فكّر بخطاياك ، وأصلحها الآن ، طال ما أن الوقت متاح لك واجعل الألم فيك خصباً ولا تكن توبتك عقيمة.
ها هو يقول : لقد أصدرتْ حكمي ولم الفظه ، وأعلنته ولا مردَّ له ، ولماذا تخاف وأنا القائل لك : إن صلُحْت غيّرت قضائي ، الحكم قابل للتغيير ، أما العدل فباق . العدل باق وعلى كل ذي سلطان أن يخلّص من يصلح نفسه . الله لا يرحم الخاطئ المصرَّ على خطأه بل التائب إليه ، إياه يرحم . واضع الشريعة هو عينة رب الغفران : أرسل الشريعة ثم جاء مع الغفران.
بالشريعة صرتَ خاطئاً . وبمواضعها حللت من خطاياك . أم بالأحرى فإنه لم يحلك من خطاياك لأن الحل منها إقرار بالبرارة . بل يترك لك خطاياك إن تبتَ عنها.
إن الله لا يريد أن يدين الناس بل أن يخلصهم ، ولهذا يرجئ حكمه ويصبر عليك لتنتقل من الخطأ إلي الصلاح . الله صالح وجواد وصبور يرجئ ولا يأخذ .
 وأنت تحتقره متجاهلاً أن صبره عليك يجب أن يقودك إلي التوبة {ولكنك بقساوة قلبك تدّخر لنفسك غضباً ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة الذي سيكافئ كل واحد بحسب أعماله"رومية6:2"}.
مهما تعمل الآن يكن لك ذخراً : إن صلحت حياتك أدَّخرت للسماء أعمال رحمة ساعدت بها الناس . وسوف تعرف مدي أمانة القيمّ الذي يرعى كل ما عهدت به إليه . ومع أنك لا تري ما تدّخر ، تطمئن إلي كنزك الذي لن يسطو عليه لص وعدوّ . ولن ينتزعه منك ذو سلطان أو أي إنسان شرير بل يبقي لك إلي الأبد لأن الرب القدير يرعاه . وإن كنت شريراً وبعثت بما أتيت من شر ، فإن الله يدخره لك . ويباشر الله يوم الذين باستعراض كنوزك لتتعرف إلي ما سلمت . أصغ إلي قول الرب : {هاأنذا أحكم بين ماشية وماشية وبين الكباش والتيوس)"حزقيال17:34".
{هاأنذا أحكم} يا لها من طمأنينة ، أنه هو عينه يحكم فاطمئن إن كنت صالحاً إذا لا يمكن لأي خصم أن يرشوا ديانك ولا أن يتواطأ مع محام ولا يخدعه شاهد ، وبقدر ما تطمئن إذا كنت صالحاً تخاف إذا كنت شريراً . إذ لا يخفي شيء على ذلك القاضي .
 وعن نفسك يسألك ولا يسأل عنك أحداً سواك . إنما لا يسألك لكي يعرفك بل لكي يخجلك أمام ذاك القاضي الذي لن يستطيع أحد أن يغشه . لا لمصلحتك ولا ضدها . أعمل كمن لا يخاف قضاءه الآتي بل كمن ينتظره ويتوق إليه.
وهل تخشى حباتُ الحنطة الاهراء ؟ ما أطول الزمن الذي تتوق فيه الأهراء!
وبالنتيجة على من يصلون أن يقولوا بصدق من كل قلوبهم (ليأت ملكوتك)"متى1:6".
من شأن الإنسان الشرير أن يرتجف قلبه رعباً ويتلعثم لسانه حين ينطق بتلك الكلمات وكيف تقول(ليأت ملكوتك)؟ ها هوذا آت . وكيف يجدك ؟ اسع لأن تصلي بطمأنينة . إن أحببت المسيح وجب عليك أن تتمنى أن يأتي وممّ تخاف ؟ من هو الآتي ؟ ولم لا تفرح ؟ أليس الآتي دياناً لك هو عينه الذي جاء وحُكم عليه بالموت بسببك؟ لا تخش محامياً فاشلاً : ديانك الآتي هو المحامي عنك في الوقت الحاضر . لو كانت لك دعوى أن تقدمها إلي قاض وأخبرت عنها محامياً فراح يدرسها ، وقبل أن يتم دراستها علمت  بأنه هو ذاته سوف يحكم فيها ، ألا تفرح به قاضياً من كان لمدة وجيزة محامياً لك ؟ لقد أصبح هو عينه يصلي ويتوسل من أجلك وقد كان لمدة وجيزة يسألك . وهل تخشى القاضي بعد أن أصبح المسيح محامياً عنك ؟ أحر بك أن تنتظر مجيئه باطمئنان بعد أن عنك محامياً  إن خفت من القاضي الآتي . فسارع إلي إصلاح القاضي الحاضر ، وهل تعتبر أمراً قليل الأهمية أن يبحث ضميرك عن أخطائك السابقة؟ أصلح نفسك الآن حتى تتمكن من إصلاح ذاتك في المستقبل.