الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

في الفرق بين الميتة الصالحة والميتة الشريرة


الاقتناع العقلي: وأي فائدة لك من معرفة نوع الميتة التي بها تنتهي حياتك ؟ طالما أنك لن تموت من جديد؟ أن يأنف الشعور الحسي الواهي من أمر ما ، شيءُّ ، وأن يقتنع به ، جاداً ، منطق العقل النيّر شيءُّ أخر.
لا تعتبر ، شريرة ، الميتة التي تعقب حياة صالحة ، بل شر الميتة في ما يعقبها ، وبالتالي فإن الذين خُتّم عليهم أن يموتوا لا يحق لهم أن يهتموا كثيراً بنوع الموت الذي يقاسون بل بالمكان الذي يساقون ساعة يموتون.
الغني والفقير: تذكرّ مثل الغني والفقير في الإنجيل : كان غنى متشحاً بالأرجوان والبرفير يتنعم كل يوم بما لديه من خيرات ، وكان فقير ملقي أمام باب الغني ، جائعاً ، يستعطي كسرات خبز تساقطت عن مائدة الغني ، وكان جسمه مغطي بالقروح والكلاب تلحس جراحه.
مات الفقير المعدم فحملته الملائكة إلي حضن إبراهيم ومات فدفن في الجحيم . وبينما هو يتعذب رفع عينية فرأي العازر في حضن إبراهيم فصرخ قائلاً : ارحمني يا أبت إبراهيم وأرسل لعازر يبل طرف أصبعه بالماء ويرطب به لساني لأني احترق في هذا اللهيب . المتكبر ، في حياته.


يستعطي في جحيمه : نال المسكين كسرة خبز . أما الغني فلم يتمكن من الحصول على نقطة ماء.
قل لي : أيُهما مات ميتة صالحة ؟ و أيُهما مات ميتة شريرة؟ لا تسل عينيك بل قلبك لأنك إن سألت عينيك كان جوابهُما خاطئاً.
ما كان أكبر جمهور الباكين من الخدم والجواري ! وما كان اكبر جمهور زبانيته وأصدقائه ! وما أفخم جنازته ! إني أظن بأن العطور التي رشت على جثمانه قد سحقته سحقاً . ما رأيك؟ هل كانت ميتته صالحة أم شريرة؟ عيناك تقولان : ميتة ممتازة . وإن طلبت الجواب من معلمك أجاب : يا لها من ميتة شريرة إن كانت هذه ميتة المتكبرين المتمسكين بأموالهم الذين يضنون بالقليل منها على الفقراء فما تكون ميتة أولئك المغتصبين لأموال الناس؟
عش عيشة صالحة كيلا تموت ميتة شريرة نظير ذلك الغني ؛ إذ لا شيء يظهر شر الميتة كالوقت الذي يعاقبها . وبالعكس ، ضعْ نصب عينيك ذلك البائس الملقي أرضاً المغطي بالقروح تلحسها الكلاب ، إذ ذاك ، أمام ذاك المشهد ، وبينما تصاب بالقرف وتشيح بوجهك عنه وتسد أنفك بأصابعك أنظر إليه بعيَنْي قلبك.
لقد مات لعازر فحملته الملائكة إلي حضن إبراهيم ومات الغني فبكته عائلته ولم تفرح الملائكة . وماذا كان جواب إبراهيم له؟(أذكر يا بني أنك نلت خيراتك في حياتك وحصرت همك كله فيها) أجل نلتها ؛ وها هي الأيام تمضي وتخسر معها كل شيء وتبقي أنت في الجحيم قيد العذاب.
وتضطرب حين تري أناساً هانئين يحيون في الشر مغمورين بالخيرات ، أصحاء ، مكرّمين ، آمنين في سكناهم ولهم بنون يخلفونهم فيها ، ولهم زبانية مخلصون ، يخافون جانبهم ويتممون رغباتهم فلا يزعجهم شيء . أما أنت فتضطرب وتقلق حين تري أخلاقاً عاث فيها الفساد شراً تواكبها الثروات فتحزن وتقول: لو كان الله يري ما في الناس لما ترك هذا الأثيم في نعماه وأبقاني أنا البار في بؤسي.

لكل داء في النفس دواءُّ من الكتب المقدسة إن كنت مريضاً به فأصغ إلي الكتاب المقدس القائل: (لا تغر من الأشرار و لا تحسد عمال الإثم فإنهم مثل الحشيش سريعا يقطعون و مثل العشب الاخضر يذبلون"مز1،2:37") أن ما يبدو لك طويلاً قصير هو في عيني الله . أخضعْ له يبدو قصيراً إنّ أعشاب الحقل التي تكسو سطح الأرض واطئه وليست أصولها في التراب عميقة ، ولهذا تخضرّ وتيَبسُ صيفاً حين تغمرها حرارة الشمس.
فالوقت الآن وقت شتاء ومجدُك لم يظهر حتى الآن ، ولكن إذا كانت محبتك عميقة الأصول كما هي الحال في أشجار كثيرة فسوف تتحمل الشتاء وينقضي البرد ويأتي الصيف ، يوم الدين ، فييبس العشب الأخضر وينكشف مجد الأشجار.
الخاطئ يتقدم ، إنما في طريقة . أما أنت فأعمل في طريق الله . له في الطريق النمو وفي النهاية الشقاء . ولك في الطريق الشقاء وفي النهاية السعادة ؛ لأن طريق الكفرة هلاك . أما أنت فسرْ على طريق الأبرار وإن تعبت فلا تضل . طريق الآثمة تولي سعادةً زائلة حتى إذا ما انتهت الطريق انقضت السعادة.
طريق الآثمة و طريقك: طريق الآثمة رحبةُّ ونهايتها في أعماق الجحيم . أما طريقك فضيقة وقليلون يسيرون عليها ، تأمّل بالغني الذي توصلك إليه.
المسيح لم يعدك بسعادة عالمية : لو أن المسيح وعدك بسعادة عالمية ورأيتَ الكافر سعيداً لكان لك أن تتذمر ضده . ما هي السعادة التي وعدك بها ؟ إن لم يعدك بها بعد القيامة فهل وعدك بشيء في هذه الحياة ؟ أيها الخادم والتلميذ أتحتقر ما أعطاك معلمك؟ لقد أعطاك ذاته دون سواه ألم تسمعه يقول(ليس عبد أفضل من سيده ولا تلميذ من معلمه "يوحنا10:8"). لقد احتمل من أجلك الآلام والجلد والشتم والصلب والموت . وأي نوع منها كان مفروضاً عليه؟ أم أي نوع منها كلها لم يكن مفروضاً عليك؟
أمنْ بمن قال(فإن الأشرار يستأصلون)"مز9:36") أمن به لأنه يدرك أفضل منك وأنتظر قول الرب{أما الذين يرجون الرب فإنهم يرثون الأرض "مزمور9:36"}. تريَث قليلاً تنلْ للأبد ما تنتظره.