الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

في ضرورة البحث عن السعادة خارجاً عن الأرض


إن أردت أن تحيا سعيداً فزد حباً لما يعد الله به أكثر ما يعد به العالم ؛ ليكن خوفُك مما يحذر الله منه أكبر مما يحذر العالم منه.
لا تعد نفسك إلا بما يعدك به الإنجيل : إن الكتب المقدسة لا تعدك فوق هذه الأرض إلا بالضيقات والاضطهادات وكثرة الآلام والتجارب . 
استعد لها بنوع خاص لئلا لم تكن مستعداً . وإياك أن تبحث عن السعادة في الأرض : إنها لخير عظيم ولكنها ليست ها هنا . السعادة ليست من هذا العالم فارفع قلبك إلي العلى.
الحياة هنا: وما حياتنا ها هنا ؟ وما لنا ولوصفها ؟ لقد خبرناها مثقلة بالآلام والمتاعب ، محفوفة بالمخاطر ، مليئة بالمخاوف ، الشهوات تتأكّلها والشكوك تستعبدها ، بمكاسبها نفرح ولخسارتها نتألم.
إنك تخاف تبتهج بمكاسبها خشية أن تفقد ما ربحت ، لذلك لا تسْع إليها ، يا من لم تبحث عنها قبل أن تنالها.
السعادة الكاذبة على الأرض: السعادة الكاذبة شقاء حقيقي الوضيع يتوق إلي العلى ، والرفيع يخشى السقوط من ليس له يحسد من له ، ومن له يحتقر من ليس له.
ومع ذلك فأنت تضع رجاءك في هذا العالم ومتى تنال مبتغاك ؟ متى نلت مبتغاك ، أياً كان ، بدا لك تافهاً ، فتطلب غيره وترجو الأفضل ؛ حتى إذا ما تحققت لك الخيرات كلها تدنَّتْ قيمتهُا في عينيك وصارت أمامك فراغاً . الثروات التي ظننتها ملأى بالملذات ، مليئة بالمخاطر. 
الفقير : ينام الفقير قرير العين ، لأن النوم على الحضيض أسهل منه فوق سرير من فضه.
الأغنياء : تأمل هموم الأغنياء وقارن بينها وبين طمأنينة الفقراء.  وهل تنام مطمئناً إن كنتَ تفكر بزيادة ثروتك ؟ أظنني على حق في ما أقول : حيثما تجد ثروتك تفقدْ راحتك . ساهراً تفكر بالمزيد من المال ، ونائماً ، تحلم باللصوص ؛ فيما لك من شقي!
لماذا تحب الحياة على الأرض : أنيّ أتأمل في من يهوون هذه الحياة الحاضرة ، الزمنية  القصيرة السافلة : آه ! كم لها من محبين ! غالباً ما يتخلَّى الإنسان ، في سبيلها ، عن كل شيء فيستعطى ويشقي ، وإن سألته السبب أجاب : كي أعيش . ماذا أحببت؟ وأين أنت في حبك ؟ وماذا تقول لحياتك هذه التي تحبها ؟ قلْ تكلَّمْ وتودَّدْ إليها إن استطعت . وماذا تقول لها ؟ جمالك ، أيتها الحياة ، أوصلني إلي ما أنا عليه من العُرْي وإذ بها تصرخ بك : (وسخه أنا) فتحبها .(وقاسية أنا) فتعانقها . وتجيبك تلك الحياة المحبوبة : لن أبقي معك وإن كنتُ معك إلي زمن ؛ ولن أكون معك إلي الأبد . أنا قادرة على أن أعريك من كل شيء وعاجزة على أن أجعلك سعيداً .
وطالما أنك مسيحي فأطلب من الله أن يساعدك على التغلبّ على المغريات التي استهوتك لخبث فيك  وأحبب جمال الحياة التي (لم ترها عين ولم تسمع بها أذن ولم تخطًر على قلب بشر)"1كور9:2". تلك هي الحياة التي أعدها الله للذين يحبونه ، وهي الله بالذات ، أحبَّها حبَّا شديداً ، والله يعطيك نعمته . أذرف أمامه دموعك لكي تحب تلك الحياة وتبلغ إليها.
الحياة في الكتاب المقدس : وكيف أنبهك ؟ وماذا أبين لك ؟ هل أفتح الكتب المقدسة لأبرهن لك عن زوال هذه الحياة واضطرابها وصحة ما كتب عنها (حياتك هي بخاّر يظهر قليلاً ثم يضمحل)"يعقوب15:4".
الحياة في الحياة : هذا إنسان عاش بالأمس ولم يبق له وجود اليوم ، منذ قليل كنا نراه أما اليوم فلم يعد يري . يُحملُ إلي القبر ، وسرعان ما ينساه الناس وإن عادوا من دفنه حزاني            لا تضطرب : لكل ممالك الأرض نهاية ؛ اقبل الحاضر ولا يعلق قلُبك به أعداؤك حتماً هالكون ونعمة السعداء غالباً ما تكون كاذبة .
ضع رجاءك بالله ، وأطلب ما هو ابدي ، وإليه وجّه اهتمامك كله ، وفيه ضع قلبك لئلا تفسده هموم العالم . وأختر ، بالتالي ، حياتك إن كنت تحب الحياة وماذا تختار ؟ الحياة ، الحياة الصالحة على الأرض ثم الحياة إلي الأبد . ها هنا حياة صالحة إنما غير سعيدة ، لأن من عاش حياة صالحة أعدّ للمستقبل حياة سعيدة .
إن أحببت الحياة اخترت الحياة الصالحة : الحياة الصالحة عمل والسعيدة أجرْ له . عشْ حياة صالحة تنلَ السعادة . وهل أفضل من هذا العدل أو النظام ؟إن أحببت الحياة اخترتَ الصالحة : إن شئت زوجة لك ، ألا تختارها صالحة ؟ أو تحب الحياة وتختار الشريرة منها.
قل لي : هل تريد شراً ؟ كلا . مهما أردت وأحببت فإنك لا تطلب سوى الخير . أنت لا تريد حصاناً ولا خادماً ولا ثوباً ولا بيتاً رديئاً كما لا تريد زوجة شريرة ولا بنين أشراراً .
حياتك ليست أقل من بيتك وزوجك وثوبك وحذاؤك :ـ
 يا من لا يطلب سوي الخير ، كن صالحاً في نفسك . ولمَ تحتقر ذاتك فتطلب كل خير وتبقي أنت وحدك شريراً ؟ عزيز عليك بيتك وزوجك وثوبك وحذاؤك . ونفسك أليست عزيزة عليك؟
تعدك الحقيقة بحياة أبدية ، بل سعيدة ، لا ضجر فيها ، ولا وجع ، ولا خوف ، ولا تعب : هناك الطمأنينة التامة الحقة حيث يحيا الإنسان تحت نظر الله ومع الله وبالله ، وحيث الحياة هي الله عينه . تلك هي الحياة التي وعُدتَ بها ، ومع ذلك نراك تؤثر عليها الحياة الزمنية التاعسة الملأى بالأحزان.
أنك تطلب الحياة والأيام الصالحة : خيرّ هو ما تطلب ، إنما لن تجده ها هنا . لهذا الحجر الثمين مكان ، إنما ليس من مواليد أرضنا هذه.
مهما اجتهدت وحفرت فللن تجد ها هنا ما ليس من هنا ؛ ولكن أعمل وأجبك يعاد إليك ما تحب وتهوي .
ابك تارةً وصلّ طوراً لأن البكاء للبؤساء والصلاة للمحتاجين . الصلاة تنقضي ويتلوها تسبيح  والبكاء ينقضي ويتلوه سرور . في أيام بؤسك أرفع صلاتك دوماً إلي الله وسَلهْ نعمةَ السكنى في بيته دون سواها من النعم ؛ ولا تكفَّ عن السؤال قبل أن تحظي بمبتغاك.