الحب نوعان : حب العالم ، وحب الله ، إن كان فيك حب العالم فلا محل لحب الله . أنف عنك حب العالم وأقم فيك حب الله ليحل محله الحب الأفضل.
إن كنت تحب العالم فلا تحبه بعد الآن : إن سلخت قلبك عن حب العالم أدخلت فيه حب الله وسكنتْ فيك المحبة التي لا يصدر عنها أدني شر.
بين الصانع والمصنوع :ـ
كل ما في العالم ، صنعة الله : أقم فيك روح الله ترَ كل شيء صالحاً ولكن الويل لك إذا أحببت المصنوع وتركت الصانع . إنك تراه جميلاً ولكن ما أجمل صانعه!
إن الله لا يحرمّ عليك محبة هذا الجميل ، شرط ألاّ تحبه سعياً وراء سعادتك وبحثاً عنها ؛ بل حباً بالخالق وتمجيداً له .
الخطيب والخاتم : إذا صنع خطيب لعروسه خاتماً فقبلته ثم فضلته عليه ، ألا تكون زانية بحق خطيبها بسبب تلك الهدية؟
إنها تحب في خطيبها هديته ، ولو قالت : حسبي هذا الخاتم ولا أريد أن أري وجه خطيبي فمن تكون هذه العروس؟
ومن ذا الذي يقبل بهذا الجنون ؟ ومن لا يعترف بزني هذه النفس ؟ إنك تحب الذهب حباً بالرجل وتحب الخاتم حباً بالزوج ، فلو أنك أحببت الخاتم حباً بالزوج ثم استغنيت عن رؤية الزوج فكأني به يعطيك الخاتم لا ليرسّخ اتحادكم بل لكي يستميلك عنه إلي الخاتم . العروس يقّدمُ لك تقدمة لكي تحبه من هديته . والزوج يعطي عهده ليكون ميثاق حب بينه وبين شريكه الآخر .
عطايا الله : إن الله قد أعطاك نعمة لكي تحبه في تلك النعم التي صنعها ، وأكثر منها أعطاك ، لقد أعطاك ذاته . إن تعلقت خيور الله وأهملت خالقها ، حباً بالعالم ، ألا يعتبرُ حبك له زني ؟ لست أقول لك : لا تتعلق بما للأرض بل أحبه باعتدال ، حباً بالخالق لئلا يزعجك حبه ، بل فليكن حب استمتاع لا حب استعباد .
أرعَ محبة الله في قلبك كي تحيا إلي الأبد كما هو الله إلي الأبد ، لأن الإنسان يكون كما تكون محبته إن أحببت الأرض كنتَ أرضاً وإن أحببت الله ماذا أقول ؟ أتصير إلهاً ؟ لا أتجاسر على التلفظ بهذا الكلام تلقائياً إنما أسمع الكتاب القائل {قد قلت أنكم ألهه وبنو العلى كلكم} مزمور6:81".
وعليه ، إن أردت أن تكون إلهاً ، وابن العلى ،فلا تحب العالم وما فيه : حب العالم أشبة بيد النفس التي ، إن أمسكت شيئاً ، استحال عليها الإمساك بشيء أخر ، ولكي تستطيع أن تمسك بما يقدم لها يجب عليها أن تتخلى عما معها . إن أنت أحببت العالم فلا يسعك أن تحب الله ، لأن يداك مشغولة الله يقول لك : خذ منى ما أعطيك ، أما أنت فتأبي أن تتخلي عما بيدك ، إذ ذاك لن يسعك أن تقبل ما أقدمه لك . وإذ لم تستطع بحكم الضرورة فأملك ولا تكن مملوكاً . وخذ ولا تكن مأخوذاً ، كن سيداً على ما لك ولا تكن عبداً له .
أسألك وأرجوك وأحثك على أن تحب الحياة الأبدية نظير من يحبون الحياة الزمنية.
تعلَّم أن تحب وألا تحب : أحبَّ لسبب وامتنع عن الحب لسبب أخر . في العالم أشياء تحبها لكي تتقدم وأشياء أخري ، إن أحببتها ، منعتك عن التقدم ، لا تستمسك بالمانع إن لم تشأ العقاب : المانع هو ما تحب من هذه الأرض وهو بمثابة دبق للأجنحة الروحية ، أي الفضائل التي تطير بواسطتها إلي الله أنك لا تريد أن يقبض أحد عليك ومع ذلك نراك تهوي الدبق ! أتظن أنك لن تقع بين أيديهم إذا كان القبض عليك أمراً سهلاً ؟ إن العالم يضيّق عليك بقدر ما يفرحك.
عُدْ أيها الخاطئ إلي قلبك واستمسك بمن خلقك أمكث معه لكي تستقر واسترح فيه لكي تطمئن . أين تذهب في تلك الطرق الوعرة؟ إلي أين؟ إن الخير الذي تهواه هو من الله ، وبقدر ما يقودك إلي الله بقدر ذلك هو صالح وطيب ، لكن سوف يكون أمراً على من لم يقبل ، بصدق ، ما يأتيه من الله . أنك تسير باستمرار على تلك الطرق الضيقة والوعرة فإلي أين تريد أن تصل؟ لن تجد الراحة حيث تبحث عنها أطلب مبتغاك خارجاً عن هذا المكان . وهل تبحث عن السعادة في ديار الموت؟ لن تجدها وهل تكون الحياة سعيدة حيث لا حياة؟