مثل اللؤلؤة الكثيرة الثمن:
كل واحد مطالب باقتناء اللؤلؤة الكثيرة الثمن. فليست كل اللالئ متساوية القيمة.. فالفنون واﻻدب والموسيقى كلها ﻻلئ ولكنها ليست اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن التي دعانا الكتاب ﻻقتنائها (ام23:23).
فما هي يا ترى ؟ واين توجد ؟(اي28: 12).
لست اعلم لماذا سميت هكذا؟ هل من جهة نوعيتها ؟ ام من جهة الثمن المدفوع فيها؟ ام ﻻجل الجهد المبذول للحصول عليها؟ ام بسبب جمالها وبريقها؟ ام بسبب لشدة الحاجة اليها؟
ربما ﻻجل هذه كلها مجتمعة! فنحن ﻻ نقنني اللؤلؤة لقيمتها المادية فحسب، بل ﻻجل جمالها، فنجد راحة وسرور في التحلي بها والنظر لبهائها. فهي اداة التجميل.
هل هي المسيح، سر غنى النفس ومجدها؟
ام هي العذراء مريم التي ثمنها يفوق اللالئ (ام31: 10)؟
ام هي النفس التي ﻻ نملك سواها، ان ربحناها ربحنا كل شئ؟
العذراء كانت المراة التي تحققت فيه نبوءة كاتب اﻻمثال عن اول لؤلؤة. وبالحقيقة لم يجد التاريخ بمثلها، ﻻن النعمة اﻻلهية انتظرت اﻻف السنين لتجد من يشبهها، صارت العذراء ام جميع المؤمنين وبدء الكنيسة الجديدة، التي هي ايضا لؤلؤة العهد الجديد، ﻻن الرب اقتناها بدمه الثمين.
الكنيسة هي جماعة المؤمنين، والذين مات المسيح ﻻجل كل واحد منهم، لذلك فكل نفس هي لؤلؤة كثيرة الثمن.
لقد سكب الله جماله على النفس البشرية حتى صرخ المرنم: “اشتهى الملك حسنك"(مز45: 11).
هل ههناك احلى من الفم الذي ينطق اﻻسم الحلو، والذي يتكلم بكلمات النعمة والذي يتحدث بعظائم الله؟
هل اجمل من القلب الذي يحل الله فيه ويصنع له منزﻻ؟
ما اجمل اقدام المبشرين بالخيرات!
ما اثمن تلك الدموع التي تذرفها عينى التائب. انهما اثمن من اللالئ ويحق للمرنم ان يطلب الى الله "احفظ دموعي في زق عندك"(مز56: 8).
قال القديس مكاريوس:
يا اوﻻدي اﻻحباء عظيم هو مجد القديسين! وينبغي ان نفحص ايضا عن تدبيرهم الذي اهلهم لهذا المجد. فانهم لم يشتروه بغنى العالم.. ﻻنهم تغربوا عن العالم وجالوا جياعا فقراء.. ﻻنهم لم يحبوا الله اكثر من اﻻبناء فقط كابراهيم بل اكثر من ذواتهم وقالوا "من سيفصلنا عن محبة المسيح".
ايها الحبيب، انظر مقدار عظمة السموات واﻻرض ومع ذلك فان الله لم يسر بها بل وجد مسرته فيك انت فقط، فاعتبر كرامتك وسموك..
ولو ان الانسان سقط من مرتبته.. اﻻ انه ما زال يحيا ويميز ويملك اﻻرادة!
يبين القديس يعقوب القيمة العظيمة التي للنفس (راجع صلاة القديس يعقوب السروجي هنا): انت ايها الخاطئ اشفق على نفسك الممتلئة حسنا. انظر لماذا هلكت! وقم اطلبها ﻻنها اشتريت بثمن عظيم.
تامل في النفس، فبالرغم من انها ابنة النور، اﻻ انه عندما دخلت اليها الخطية هدمتها واشقتها. تأمل! كم هي قوية اشعة الشمس الحارقة، ومع ذلك فغيمة صغيرة قادرة ان تحجبها عن الناظرين. ولو ان حسن النفس عظيم، اﻻ ان نقصا واحدا لو دخلها يفسدها.
***
تاجر اللالئ الحسنة:
ان المسيحيين يشبهون التجار للمكاسب العظيمة! مثلما يجمع التجار مكاسبهم هكذا المسيحيون يجمعون معا افكار قلوبهم التي قد تكون تشتت فيها وهم يفعلون ذلك بواسطة الفضائل وبمعونة الروح القدس.
تجار فاشلون:
هناك تجار فاشلون يتاجرون في اللالئ المغشوشة والرديئة. مع ان الرسول يوصينا "التقوى مع القناعة تجارة عظيمة"(1تي6: 5). وهو يقصد بالتقوى مخافة الله وبالقناعة، الزهد في امور العالم.
هكذا شأن التاجر الحكيم يزهد العالم، فنراه يبيع كل ما له ليشتري الحياة اﻻبدية وحدها. ﻻنه لا يمكن ان نقتني اللالئ الصغيرة وهذه اللؤلؤة الثمينة معا.
ﻻلئ مغشوشة:
الغالبية هم الذين يطلبون غنى العالم الزائل، ﻻن اﻻنسان العالمي هو الذي تطيب نفسه ان اجرى صفقة رابحة. لكن الرب يسوع كلمنا عن صفقة من نوع اخر.
ومن العجيب اننا نجد ان التنقيب عن هذه الللئ والمعادن النفيسة واﻻحجار الكريمة محفوف بالمخاطر ويختاج الى جهد طويل. هؤﻻء الجهال والعميان الذين يطلبون جواهر العالم ليكونوا اغنياء ومكرمين هم مخدوعين في جواهرهم المغشوشة، ﻻنه بعد قليل يتضح بطلان سلطتهم وعدم نفعها، عندما يعبر عليها زمان اﻻبدية الطويل فتفنى وتصدا.. وﻻ يبق لهم شئ من تجارتهم (حزقيال 27 و رؤيا18).
يسوع هو التاجر الرابح:
ليس عجيبا ان نجد التاجر الحكيم يبحث عن اجود البضائع ليتاجر بها. راينا يسوع يبحث عن النفوس البعيدة ليجتذبها "رابح النفوس حكيم"(ام11: 30). وقد تعلم لقديسون منه هذه التجارة الرابحة في ربح نفوسهم ونفوس اﻻخرين ايضا.. وهم يتوسعون دائما في تجارتهم حتى الى ملء قامة المسيح.
لم يعد بعد مجال لسؤال الحكيم: “اين الحكمة؟ وفي اي اﻻسواق نجدها؟(ام3: 2 و اي28: 12 و20).
وﻻنه ذا خبرة عميقة لمعرفة اﻻشياء الثمينة لذلك نجده ينفض الغبار عن نفوس مرمية ومفقودة في تراب العالم. عرف قيمة السامرية والمجدلية وشاول .. اغسطينوس.. موسى اﻻسود..الخ
وانت ايها العزيز،
تستطيع ان تحسبها صح! فباتضاعك تربح الضعفاء (1كو9)
وﻻ يقف او يمنعك شيئ من ان تربح في كل حال قوما.
يمكنك ان تربح اخاك الذي اخطا اليك بان تعاتبه منفردا (مت١٨: ١٥).
وﻻ تكن قانعا بالربح القليل، فالوقت مقصر بل اجتهد لتربح 10 وزنات. فانه حتى في الموت وجد الرسول ربح (في1: 21).
ولو كنت انية ضعيفة فالرسول يقول عن امثال هؤﻻء انهم يمكن ان يربحون ازواجهن بسيرتهن (1بط3: 1).
خبرة التاجر:
ليتنا نتدرب لئلا نطرح الدرر الغالية امام الخنازير (مت٧) ..
لئلا نبيع الجوهرة الثمينة بثمن دنئ.
لئلا نقايض الذهب بطين والسماويات باﻻرضيات.
لذلك يقول الرسول
“ان احترق عمل احد فسيخسر"(1كو3: 15).
عربون تجارتنا:
ظن سيمون انه يقتني موهبة الله بدراهم.
ولما كان لكل مشتر ان يدفع جزءا من الثمن مقدما يسمى العربون، لذلك "اعطانا عربون الروح"(2كو5:5) فوهبنا روحه القدوس كضمان لميراث الملكوت، كما لضمان ملكيته لنا.
هذا هو "عربون ميراثنا، لفداء المقتنى"(اف1: 14).
اﻻقتناء هو امتلاك الشئ. ويمكن ان يقتنى الروح بوسائط روحية، تماما مثلما نقتني اشياء مادية بالمال.. لذلك قيل في مثل العشر عذارى "اذهبن وابتعن لكن"(مت25).