انجيل يوحنا : الاعلان الاسمى
"لقد عرفتهم اسمك"
كل وحي وتنزيل اقتصر على التوحيد ، اي اعلان وحدانية الله فوق كل وثنية او شرك. فكان الاعلان خارجا عن ذات الله. حتى في الوحي الموسوي كان اعلان الله عن ذاته انه يهوة اي "انا الكائن" او كما يترجم احيانا الحي القيوم" وبلغة الفلسفة "الوجود الواجب الوجود". ولكن كل وحي قبل المسيح لم يرقى الى الكشف عن (سر الله).، عن الله في ذاته. كان ذلك محفوظا للمسيح الابن، النازل من "حضن الاب"(1: 18).
ففي صلاته الاخيرة يوجز المسيح دعوته بقوله "لقد اعلنت اسمك للناس"(17: 6). وفي لغة الكتاب الاسم كناية عن الذات.
اولا- تعابير "سر الله" في الانجيل:
ثلاثة تعابير تكشف لنا "سر الله".
1- اكد السيد التوحيد الكتابي المتواتر. فقال "الحياة الابدية هي ان يعرفوك انت الله احد الحق (الحقيقي الواحد)، والذي ارسلته يسوع المسيح"(17: 3).
فالحياة الابدية منوطة بهاتين الشهادتين، لا بغيرهما.
2- لكن تجاه كل تشبيه او تمثيل لله اعلن "ان الله روح"(4: 24). بهذا قضى على كل وثنية او شرك. فالله في طبيعته "روح" فوق كل مادة كونية او تصور مادي.
فمن يتهم الانجيل بالتشبيه ينقصه صريح الانجيل "بان الله روح".
3- الاعلان الالهى الاسمى في الانجيل هوو ان الله "الاب" على الاطلاق. ونحن في لغتنا العربية ، شقيقة الارامية التي نطق بها يسوع، نمد لفظ "الاب " لتمييزه عن كل "اب".
ان فكرة ابوة الله كانت شائعة في الشرق الاوسط وغيرها من الشعوب (راجع اع17) على سبيل المجاز عندنا، وعلى سبيل الحقيقة الوثنية عند الامم.
فعند بني اسرائيل ، الله اب بالمجاز. فهو ابو اسرائيل "من مصر دعوت ابني"(هو). وخصوصا ابو ملك اسرائيل، وعلى التخصيص "ابو المسيح الموعود".
"ابي وابيكم"(20: 18). يميز المسيح بين بنوته لله وبنوة التلاميذ له. واكبر شاهد تصريحه في عيد المظال "انما الذي يمجدني ابي الذي تقولون عنه انه الهكم"(8: 54).
ما يخفى على كثيرين – هو الثنائية في كلام المسيح القائمة على الثنائية في شخصيته. فهو ينطق تارة اله وتارة كانسان. طورا كابن الله وطورا كابن البشر. فمن الجهل اعتماد البعض على بشرية المسيح في اقواله واعماله لنكران الوهيته او العكس.
2- كيف تتفق وحدانية الله مع وجود ابوة وبنوة في طبيعته؟
المشكل الاساسي لكل شبهة هو قيام تثليث كياني في وحدانية الله.
"لكي يعرفوك انت الله احد الحق (الحقيقي الواحد)"(17: 3). هذا هو الاعلان الاول على لسان المسيح نفسه.
والاعلان الثاني ويشبهه هو "ويسوع المسيح الذي ارسلته". هو الابن الواحد الحق على الاطلاق. والمسيح تدليلا على ذلك يستخدم تعبيرا ينفرد به "ابتاه" فنسمع فيه صوت يسوع وحده.
والانجيل يطلق على الابن صفتين تميزان بنوته الالهية عن كل بنوة مخلوقة او مجازية.
التعبير الاول "اللوغوس" الكلمة او النطق الذاتي. فليس من المعقول ا يكون "الله الروح" بلا نطق ذاتي روحي ، وهذا النطق هو ابنه يصدر عنه وفيه .
والتعبير الثاني "مونوجنيس" اي "الوليد الوحيد" الذي يقتضي ولادة حقيقية ذاتية روحية.
فحقيقة البنوة الوحيدة في الوحدة الالهية المطلقة قائمة:
1- في وحدة الوجود والحياة: "كما ان الاب له حياة.."(5: 26)
في وحدة الارادة "لا استطيع ان اعمل من نفسي شيئا.
في وحدة العمل " ما يعمله الابن يعمله الاب ايضا"
في وحدة الوجود المتبادل "انا في الاب..
الاب الحال في ..
وفي صلاته "كمتا انك انت في..
وحدة المعرفة "كما ان الاب يعرفني
في وحدة المحبة "الاب يحب الابن..
في وحدة المجد. فعند استقباله اليونانيين يهتف عفويا "ايها الاب مجد اسمك" اي بتمجيد ابنك.
وعند اقتراب صلبه "الان تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه. فمجده هو مجد ابيه.
عن كتاب:
صوفية المسيحية بحسب يوحنا، يوسف درة الحداد، بحث 26 ص450.