امر الرب أن يخصص ست مدن من بين الثماني والأربعين مدينة خصصت لسكنى اللاويين، لتكون بمثابة مُدن ملجأ يهرب إليها القاتل الذي قتل نفسًا سهوًا، وذكر ذلك في عدد٣٥ وتث١٩.
حقًا أنه لتدبير رائع، سواء في وضعه، أو في الغرض المقصود منه.
لماذا خصصت مدن الملجأ بين مدن اللاويين بالذات؟
لقد جعل الله اللاويين مخصصين له، وهم وسطاء بين الشعب والله. ولذلك فمن الاليق ان يتوسطوا بين القاتل سهوا وولي الدم.
ونلاحظ ان من صفات مدن الملجأ الاتي:
١- يجب ان يجدها القاتل سهوا قريبة منه، سهل الوصول إليها. فكانت بذلك مدينة الملجأ على غير مبعدة من قاتل النفس سهوًا، الذي يتعقبه سيف ولي الدم المُنتقم، وهذا مما يتفق تمامًا مع صفات إلهنا جلّ جلاله. فإذا وقع يومًا ما قاتل النفس سهوًا بين يدي ولي الدم المنتقم، فما ذلك لأن مدينة الملجأ لم تكن قريبة منه، وإنما في الواقع لأنه قصّر في استعمال الواسطة بالهروب إلى مدينة الملجأ. فكل ما هو لازم لخلاصه من ولي الدم قد تجهز، ومدن الملجأ قد تخصصت وتميزت بأسمائها وتعيّنت تمامًا وعُرضت للجميع، وكل شيء كان ظاهرًا بسيطًا سهلاً جدًا. هذه هي طُرق الله العجيبة.
٢- لا شك أن قاتل النفس سهوًا كان عليه هذا الواجب وُمحتّم عليه أن يبذل كل جهده، ويجري بكل ما أوتي من قوة لكي يصل إلى مدينة الملجأ، ولابد وأن يفعل ذلك لنجاته.
٣- بمجرد وصول القاتل سهوا إليها، يستطيع أن يستنشق نسيم الحرية ولا يمسه أذى ولا شر. وفي اللحظة التي يجتاز فيها باب مدينة الملجأ إلى الداخل، يصير في أمن تام.
من هو الملجأ؟ المسبح. ومن هو القاتل الحقيقي؟ ابليس الذي "كان قتالا للناس منذ البدء"(يو٨).
وهذا يعيد الينا الحقيقة، لا يستطيع المهلك ان يقترب من البكر في بيت لطخت عتباته بدم الحمل.
٤- الخلاص بالرجاء: لم يكن مأذونًا للقاتل أن يخرج لزيارة أصدقائه، كان منفيًا عن أهل بيته وخلانه، وكأنه بمثابة سجين داخل حدود مدينة الملجأ، ولكنه سجين على الرجاء، وغائب عن أهل بيته ومحروم من التمتع بمحبة قلوبهم، متوقعًا بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يموت فيه رئيس الكهنة، فتعود إليه حريته الكاملة ليسترد مرة أخرى ملكه، ويرجع إلى بيته. ونحن نعتقد أن هذه الفريضة ذات المغزى الجميل، تتعلق بنوع خاص ببني إسرائيل، فهم قد قتلوا رئيس الحياة. ولكن يبقى لهم رجاء " .. إلى أن يموت الكاهن العظيم الذي يكون في تلك الأيام. حينئذ يرجع القاتل ويأتي إلى مدينته وبيته إلى المدينة التي هرب منها» (20: 1ـ 6). يقول الرسول "نحن الذين التجأنا لنمسك بالرجاء الموضوع أمامنا،. (العبرانيين ٦: ١٨). نها صورة شخص يجري من الخطر، من اللعنة، ومن دينونة الناموس ومن غضب الله، ومن الابدية التعيسة في جهنم "وتنتظروا ابنه من السماء، الذي أقامه من الأموات، يسوع، الذي ينقذنا من الغضب الآتي.. (١ تسالونيكي ١: ١٠).
٥- سيعامل الله إسرائيل على مبدأ النعمة كقاتل نفس سهوًا، وليس كالقاتل عمدًا «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم يفعلون ما لا يدرون». وقد وصلت هذه الكلمات الفعّالة إلى أذن وقلب إله إسرائيل الذي سمع واستجاب هذه الصلاة، ولا يجوز أن يخطر ببالنا أن استجابة هذه الصلاة كانت قاصرة من حيث انطباقها على يوم الخمسين فقط. كلا، فمفعولها سارٍ إلى الآن، وسيتم تحقيق مفعول هذه الصلاة عمليًا وعلى الوجه الأكمل في مستقبل تاريخ بيت إسرائيل. وشعب إسرائيل الآن تحت رعاية الله، وهو منفي وغريب عن أرضه وبيت آبائه، ولكن سيأتي الوقت الذي فيه يعود هذا الشعب إلى حظيرة الايمان، .. «لأنني فعلت بجهل في عدم إيمان». ويقول الرسول بطرس «والآن أيها الأخوة أنا أعلم أنكم بجهالة عملتم كما رؤساؤكم أيضًا». هذه الآيات الصريحة إذا أُضيفت إليها شفاعة المسيح الثمينة وهو فوق الصليب، تدل دلالة قاطعة على أن إسرائيل سيُعامل كقاتل نفس سهوًا. وقد أعد الله ملجأ وحِمَى لشعبه المحبوب،
٦- الايمان بيسوع: لنتأمل في الخطر العظيم المُحدق بكل من الاثنين: قاتل النفس سهوًا، والخاطئ المسكين، وحاجتهما الشديدة التي تدفعهما للهروب والنجاة بالالتجاء إلى مدينة الملجأ والمسيح. وإذا كان يُعّد من الجنون المُطبق أن يتهاون قاتل النفس سهوًا أو يتردد فبالاولى، الخاطئ الذي يتردد او يتوانى عن الإتيان إلى المسيح، لأن التواني في هذه الحالة جنون محض، وكل لحظة ثمينة جدًا، وأنت لا تعلم الساعة التي فيها تُقطع حياتك من أرض الأحياء، وتودع في المكان الذي لا يوجد فيه شعاع واحد من الرجاء ولا بارقة صغيرة من الأمل. مكان الظلمة الأبدية والشقاوة الأبدية والعذاب الأبدي.
++
من له الحق في دخول مدن الملجأ؟
اي قاتل سهو. ذكر ٦ حالات للقتل العمد في الاعداد ١٦-٢٣. والكلمة "ينتقم" تترجم الى يفدي او يستعيد دم قريبه المغدور به عن طريق سفك دم القاتل عمدا.
وقد ذكرت حالات انتقام كثيرة. يواب قتل انتقاما لعسائيل (٢صم٣: ٢٧-٣٠).
امصيا قتل قتلة ابيه
الجبعونيين قتلوا ٦ من اولاد الملك شاول
والمراة التقوعية بحكمة ودهاء صدت الملك داود عن قتل ابشالوم انتقاما لدم امنون.
يامرنا الوحي الا نننقم وقال "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانا للغضب، لأنه مكتوب:«لي النقمة أنا أجازي يقول الرب.. (رومية ١٢: ١٩).
وقد جعل هذا الحق في يد السلطات المدنية "لأنه خادم الله للصلاح! ولكن إن فعلت الشر فخف، لأنه لا يحمل السيف عبثا، إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر.. (رومية ١٣: ٤).
اضف الى ذلك ان الرب جعل نفسه فاديا لشعبه "«لا تخف يا دودة يعقوب، يا شرذمة إسرائيل. أنا أعينك، يقول الرب، وفاديك قدوس إسرائيل.. (إشعياء ٤١: ١٤).
وان كنا نقرأ في الرؤيا عن طلبة الدم البرئ
"وصرخوا بصوت عظيم قائلين:«حتى متى أيها السيد القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟». (رؤيا ٦: ١٠). وكانت الاجابة ان ينتظروا الا اننا سرعان ما نقرأ عن اتمام ذلك "لأن أحكامه حق وعادلة، إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها، وانتقم لدم عبيده من يدها».. (رؤيا ١٩: ٢)